يقولون ان العنوان الأول الذي يجب ان تقصده عندما تزور بلداً هو المتحف، فهو وحده من يصدقك القول بثقافة وتاريخ وجغرافيا ذلك البلد .. ولكن ماذا لو زرت بلداً كاليمن ووجدت متاحفها مغلقة !؟ أمس التقيت فوجاً سياحياً فرنسياً في المتحف الوطني بصنعاء، وبعد التعرف على بعضهم أبدى السياح تذمرهم بأنهم زاروا المتحف على مدى اليومين الماضيين فوجدوه مغلقاً وهذه هي المرة الثالثة التي يرتادونه وكان من حسن حظهم انه مفتوح .. فالمتحف الوطني الذي اغلق ابوابه في السنة التي احتفلنا فيها بصنعاء كعاصمة للثقافة العربية، بحجة الترميم والتوسيع، ثم واصل الإغلاق عاماً آخر بحجة الترتيب والاعداد . قرر أخيراً فتح ابوابه للزوار التواقين لرؤية حضارة اليمن، والتعرف على كنوزها التي طالما وصفتها لهم الكتب بأنها أغرب من الخيال لكن للأسف الشديد كان على وزارة الثقافة أولاً إبلاغ وكالات السياحة والسفر بأن متاحف اليمن تفتح ابوابها من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً !! دعونا نسأل المختصين : كيف يكون الترويج السياحي والرهان على السياحة خياراً وطنياً تنموياً إذا كان ابرز متاحفنا يفتح أبوابه لثلاث ساعات فقط فيما دوائر الدولة الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، بقالات الخضار والفواكه تفتح أبوابها حتى الثانية بعد الظهر على أقل تقدير .!؟ حاولت الاستفسار من الإخوة العاملين في المتحف عن سبب الإغلاق بعد الساعة الثانية عشرة ظهراً، فخرجت بنتيجة مفادها ان المتحف كان يتقاضى «40%» من رسوم الدخول، فتعمل الإدارة على دفعها لساعات العمل الاضافية ولبعض الاحتياجات البسيطة، إلا أن رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف أصدر مطلع شهر ديسمبر الماضي قراراً بتوريد كل الرسوم إلى الهيئة، وحرمان المتحف من نسبته المقررة منذ سنوات .. وبالتالي فانه ليس لأحد استعداد الانفاق على الدولة من جيبه الخاص مادامت الدولة التي تراهن على التنمية السياحية، وترفع شعار (السياحة نفط دائم) تبخل على الحراس والمستخدمين في المتحف بقوت يومهم بساعات العمل الإضافية؟! اغرب ما عرفته خلال زيارتي أمس إلى المتحف الوطني بصنعاء هو أن الشرطة السياحية والموظفين الذين تم تكليفهم بالعمل خلال إجازة العيد لم يتم دفع اجورهم لحد الآن ..!! تخيلوا ان أناساً ضحوا بفرحة العيد وبالسعادة في ان يكونوا داخل بيوتهم، ويرتادوا ارحامهم من أجل فتح باب المتحف للزوار والترويج للسياحة في وطنهم يكافأون بحرمانهم من مستحقاتهم عن العمل في أيام الإجازة رغم ان الأخ رئيس الهيئة حددها بعكس اتجاه الحياة وقلصها إلى 800 ريال في اليوم الواحد .. وكم اتمنى لو ان هناك من يسأل صناع القرار في الهيئة العامة للآثار والمتاحف ان كان بينهم من يقبل التضحية بيوم العيد مقابل 800 ريال أو حتى 2000 ريال !؟ وفيما إذا كانوا يحسبون الأمر بأن أفراد الشرطة والموظفين تحملوا مسئولية وامانة حضارة وتاريخ بلد لا تقدر بمليارات الدولارات .! عندما نكتب بالشأن السياحي وننتقد يعتقد بعض الإخوة القائمين على السياحة وخططها أننا نتقصد أفراداً أو لدينا مواقف من بعضهم .. لكننا اليوم نريد ان نضعهم، ونضع الرأي العام وصناع القرار اليمني امام الأمر الواقع وامام حقيقة بإمكانهم التأكد منها بزيارة قصيرة إلى المتحف الوطني .. وبالمناسبة ان متحف الموروث الشعبي المجاور للمتحف الوطني مغلق الابواب نهائياً .!! وهذا الإغلاق بدأ منذ احتفالات صنعاء عاصمة الثقافة العربية ولم يبق في اليمن سوى المتحف الحربي الذي لولا انه تابع للتوجيه المعنوي بوزارة الدفاع ويعمل بانضباط العسكرية المعروف لربما كان أوصد أبوابه أيضاً أسوة بغيره. لا ندري كيف تسير الأمور وكيف يخطط البعض، وكيف يتفاعلون مع قضاياهم الوطنية.. منذ سنوات وانا أكتب عن المتاحف واذرف دموعي عليها في صفحات «الجمهورية» واتحمل ردود الأفعال والنتيجة «صفر» وكأننا لم ننتقد، وكأننا نتحدث إلى أنفسنا. لكنني اليوم أقول للإخوة في جهات الاختصاص : هذا حرام.. هذا حرام.. المتاحف وجوه الدول وعناوين حضارتها، والسياح الأجانب مهووسون بزيارة المتاحف قبل أي شيء آخر في كل بلد يزورونه .. فهل سمعتم من قبل في بلد ما في العالم ان هناك متحفاً يفتح الساعة التاسعة صباحاً ويغلق الساعة الثانية عشرة ظهراً ..؟ حتى متحف «اللوفر» في باريس لا يفعلها وهو الذي احتوى كنوز الدنيا ومفاتنها.. اليمن تراهن على السياحة وأنتم تراهنون على نسبة «40%» من مستحقات رسوم الدخول كما لو أنها الثروة التي ستغني خزانة الدولة!.