في بلد التاريخ والحضارة، وفي زمن الرهان السياسي على شعار (السياحة نفط دائم)، تسبب الفساد الإداري بالهيئة العامة للمتاحف والآثار في شل نشاط المتحف الوطني بصنعاء، بعد مصادرة موارده المالية، وترحيل الملايين من مخصصاته إلى المالية، وإيقاف كل أعمال الصيانة والترميم، وإحباط أي محاولة لتوثيق القطع الأثرية، وتكرار إغلاق المتحف، واختزال ساعات الدوام لفترة صباحية فقط، في واحدة من أكبر الفضائح الثقافية التي تكشفها "نبأ نيوز" للرأي العام. فقد كشفت وثائق – حصلت عليها "نبأ نيوز"- ومصادر مطلعة، أن المخصصات المرصودة لعام 2006م لصيانة وترميم المتحف، والبالغة (17) مليون ريال، لم تصرف منها الهيئة العامة للآثار سوى حوالي (5) ملايين ريال، لصالح أحد المقاولين، فيما احتجزت المبلغ المتبقي ورفضت التجاوب مع رسائل إدارة المتحف، الأمر الذي أدى إلى توقف المقاول عن العمل بعد تنفيذ المرحلة الأولى من السور الغربي، وضياع المبلغ الباقي. كما حرمت الهيئة العامة المتحف الوطني من مخصصات توثيق القطع الأثرية، والتي تم رصد مبلغ (2) مليون ريال لها في عام 2005م ، و(2) مليون أخرى لعام 2006م. ورغم تقديم إدارة المتحف خططاً لتوثيق وتسجيل وتصوير التقنيات الأثرية التي تصل تباعاً للمتحف عبر لجنتي الاقتناء في وزارة الثقافة والهيئة العامة للآثار، إلاّ أن الهيئة رفضت البت بالصرف وحرمت المتحف من تلك المبالغ مما أدى إلى تعثر عملية التوثيق طوال العامين الماضيين. وتفيد بيانات أخرى أن إدارة المتحف تقدمت في مايو 2006م ببرنامج عمل صيانة كميات من القطع الأثرية التي تم إنقاذها مؤخراً- بعضها خشبية مكتوب عليها بخط الزبور- وأخرى برونزية تعود إلى الممالك اليمنية القديمة، إلاّ أن الهيئة ظلت تماطل، وتؤجل، ولم تبت بالموضوع إلاّ في ديسمبر 2006ممما تسبب بترحيل المبالغ إلى وزارة المالية دون تمكين إدارة المتحف من إنجاز أعمالها. المتحف الوطني الذي يحتفظ بأكثر من (26) ألف قطعة أثرية ظل مغلقاً منذ عام 2004م ولم يعاود فتح أبوابه سوى في أعياد الوحدة 2006م، ليفاجأ العاملون فيه بعد مدة برفض الهيئة دفع مستحقاتهم للفترة الإضافية لبعد الظهر والعطل، وبدل معالجة الوضع اتخذت الهيئة قرارها في 9/7/2006م على إغلاق المتحف مساءً وفي العطل. وفي الفترة من 6/8/2006م إلى 28/8/2006م أغلق المتحف أبوابه مجدداً لعجزه الكامل عن طبع بطاقات دخول للزوار كون الهيئة رفضت دفع التكاليف، ولم تفلح إدارة المتحف في إقناعها، إلاّ أنه بعد اللجوء إلى أمين العاصمة تم منح المتحف (40%) من نسبة المجلس المحلي المستحصلة من تذاكر الدخول.. إلاّ أن قرار أمين العاصمة لم يسلم أيضاً من ملاحقة الهيئة العامة للآثار، فقد أصدر رئيس الهيئة في 2/12/2006م قراراً بإلغاء محضر الاتفاق الموقع مع أمين العاصمة فحرم المتحف من نسبة ال(40%)، واختزل دوام العاملين فيه بفترة صباحية واحدة، والإغلاق مساء وأيام الخميس والجمعة والعطل الرسمية.. المتحف الوطني الذي يحتفظ بكنوز الحضارة اليمنية، ويحمل الاسم (الوطني) يقف اليوم عاجزاً عن فتح الأبواب لما بعد الساعة الواحدة ظهراً، وعاجزاً عن تنفيذ الصيانة والترميم ، وعاجزاً عن توثيق آلاف القطع التي وردته خلال الفترة العام الماضي – بينها (40) قطعة أهداها الرئيس علي عبد الله صالح للمتحف- في الوقت الذي ترفع قيادة اليمن شعار (السياحة نفط دائم)، وفي الوقت الذي أكد وزير الثقافة خالد الرويشان أمام مجلس النواب قبل أيام أن هناك مافيا تعاديه لأنه تصدى لمهربي الآثار، ومنع المتاجرة بها- رغم أن واقع الحال يقول أن آثار اليمن لا تجد نفقات التوثيق التي تحميها من السرقة، وتضمن استعادتها لو سرقت..! هذا وقد تواصلت "نبأ نيوز" مع الأخ عبد العزيز حمود الجنداري- مدير المتحف الوطني- للتحقق من معلوماتها وقد أكد الجنداري صحة كل ما ورد فيها.)