بين تهويل المجتمع الدولي وحماسة إيران وتنديد دول الخليج حول الملف النووي الإيراني يقف الشارع العربي حائراً حيال ذلك، ففي الوقت الذي ينظر إليه البعض على أنه يعيد التوازن أمام اسرائيل ، يرى آخرون أنه يشكل خطراً على المنطقة لتختلف المعايير والرؤى حول هذا البرنامج وفقاً لسياسات الدول وتحالفاتها الاستراتيجية. فلو نظرنا إلى الواقع لأمكننا القول أن إيران استطاعت أن تمرق من معاهدة انتشار الأسلحة النووية في المنطقة لتشكل قوة إقليمية مما يجعلها حجر عثرة أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد. هنا ينبغي علينا المحاولة الجادة علّنا نتمكن من إشراع جفون الوهم عن أعين الحقيقة للتوصل إلى واحة يمكننا بعدها الاطمئنان على تيهنا في رمال الحيرة التي تواجهنا والتي تصحرت في عقولنا بفعل ميكانيزمية الفكر الاستعماري بالإضافة إلى عامل الجفاف في علاقتنا الجيرانية. والسؤال الذي يجب طرحه : هل البرنامج الإيراني يشكل خطراً على المنطقة ؟ أم أن هنالك فبركة أمريكية وراء هذه القضية كي تستمر في ابقاء قواتها في الخليج والاستمرار في عملية السيطرة على الجولد بلاك في المنطقة مدعية حمايتها من الاعصار الفارسي ؟ للإجابة على هذا التساؤل يمكننا الرجوع إلى الأحداث التي حصلت في المنطقة من احتلال لأفغانستان أعقبه احتلال العراق ، وعندها سنجد أن إيران مثلت إشارة خضراء للوجود الأجنبي في هذه الدول ، مقابل ماذا ؟ قد نفترض جدلاً مقابل صفقة استفهامات. إذاً للخروج من هذا الركام الاستفهامي لدينا احتماليات : السلم الاحتمالي الأول : لكي يكون لها يد في سياسات هذه الدول مستقبلاً خصوصاً وأن الحكومة الجديدة في العراق معظمها شيعة إضافة إلى التخلص من نظام طالبان المتشدد الذي كان يشكل خطراً عليها حسب ظنها. السلم الاحتمالي الثاني : توريط أمريكا في مستنقع كي يتسنى لها بعد ذلك إعلان نفسها دولة نووية في وقت تكون فيه أمريكا في حالة ضعف لسببين : الأول : المقاومة الشرسة التي تتعرض لها قواتها. السبب الثاني : المعارضة الديمقراطية والشعبية حول بقاء قواتها في الخارج. السلم الاحتمالي الثالث الخفي : التمهيد لقيام الحضارة الفارسية. بعد أن تخلصنا من هذا الركام الاستفهامي بقى علينا أن نقف على نقطة هامة حول العلاقات الأمريكيةالإيرانية ، فجميعنا لا ينكر التحالف الأمريكي الإيراني السابق ، ولكن ما سر التصادم الأخير بين حكومة واشنطن وطهران ؟ هل هو اختلاف مصالح ؟ أم أن أمريكا طبقت على إيران اتفاقية مونرو في مشروع الشرق الأوسط الجديد ؟ أم أن الأمر استراتيجية جديدة اتفق عليها الطرفان ؟ نستطيع القول أن الأحداث التي تمت مؤخراً بين حزب الله وإسرائيل تنفي أن يكون هنالك استراتيجية توافقية خصوصاً وأن امريكا ملزمة بحماية إسرائيل ، فالرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه الفرصة السانحة يقول : «إن التزاماتنا تجاه اسرائيل عميقة جداً فنحن لسنا مجرد حلفاء ولكننا مرتبطون ببعضنا بأكثر ما يعنيه الورق ، فنحن مرتبطون معهم ارتباطاً أخلاقياً ، إن إسرائيل ليست مكسباً استراتيجياً للولايات المتحدة بخلاف الرأي السائد في هذا الشأن ، إن تعاوننا في أجهزة المخابرات والمناورات الحربية مهم ولكنه ليس حيوياً ، ولكن التزامنا تجاه اسرائيل هو ميراث حضاري وأي رئيس أمريكي لن يسمح بتدمير دولة إسرائيل . بعد أن خلصنا من هذا العرض الذي يشخص عمق العلاقة بين كلٍ من أميركا وإسرائيل يمكننا القول أن التصادم بين سياسات أمريكاوإيران لا يعدو عن كونه اختلاف مصالح. إذا بقي لدينا مسألة قابلة للاشتعال ، مسألة المعتقدات الدينية بشقيها الشيعي والسني باعتبار أن لها عاملاً في الأوضاع المستجرة في المنطقة والتي تتعرض لمحاولات شرارية مستمرة من قبل قداحة المستعمر. وفي ظل خيارات أمريكية لا تستبعد الحاق ضربة خاطفة للمفاعل النووي فإن على إيران مواصلة السير في الدبلوماسية والتي استطاعوا من خلالها طي مسافات لا بأس بها مما جعلهم على وشك إكمال الدورة الأخيرة في مرثونهم النووي ولن يكون لها ذلك إلا بكسب المزيد من التحالفات ضد سياسة بوش والتقرب من أعداء أمريكا.