إن الله سبحانه خلق الكون كله وفق نواميس وسنن محكومة بالتجدد والتغير، والطبيعة التي نشاهدها من حولنا تعكس ليل نهار عنصري التغيير والتجديد المستمرين، وليس هنالك من أمر إلا وكان التنوع الموضوعي مادته وجوهره، ولم يكن الركود أو الرتابة والجمود في أمر أو شأن من شئون حياتنا إلا فسد وتحول إلى كارثة بيئية أو بشرية، مما يجعله آيلاً للخراب والتلاشي إن افتقد التغيير في مضمونه. وهكذا الأمر بالنسبة للوظيفة العامة التي تعتبر ملكاً للوطن وميداناً لتنافس أبنائه، وليست حكراً على أشخاص أو أسر وعائلات بعينها، ومتى تحولت إلى ذلك غدت كارثة فساد وطني، لأن اعتقاداً ساذجاً بامتلاك بعض الناس قدرات خارقة، وكفاءات لا تتوافر في غيرهم، أمر يجعل الوظيفة العامة تأخذ حكم المؤبد لنفر من الناس، ولا يفصل بينهم وبينها إلا مفرّق الأحباب ومنكس رأيه الأصحاب. إن مبدأ ونظام تدوير الوظيفة العامة في كل مؤسسات ومرافق الدولة مهم للغاية لوقاية الوظيفة العامة أياً كانت المسميات من لعنة وآفة الفساد الضميري والإداري والمالي، وكذا الحيلولة دون استشراء الإهمال واللامبالاة والشللية أو التشبع بسرقة المال العام ونهب أراضي وعقارات الدولة والوصول إلى حد التخمة. مدننا ومحافظاتنا تعبت من الرتابة وتأبيد الوظائف، وظهر للعيان انقطاعنا عن التجديد والتغيير وضخ دماء جديدة في أوردة المؤسسات والمصالح العامة ، وصارت التغييرات أشبه بمداعبة الحمقى، الأمر الذي حنط الإبداع وألغى التنوع، وأوقف التفكير والتفاعل الجماهيري مع حراك الواقع المنفصل عن وعي الناس ومصالحهم. التنمية بحاجة إلى خلق شراكة اجتماعية على قدر كبير من الحماس والتفاعل، ولابد مع ذلك من استقطاب إيمان وثقة المجتمع من أجل أن يصبح التغيير محركاً للرتابة ويلقي ارتياحاً جماهيرياً مساعداً في الحياة العملية. ومتى تنوعت الوجوه والكفاءات أدى الأمر إلى تنوع العطاء، وتنافس كل في مؤسسته بما يخدم المواطن ويحسّن من العلاقة معه، لأننا لا نريد أن نكرر العبث والتجمد الوظيفي عند أشخاص بعينهم، حتى لا نصدم وعي الجماهير بممارسات أشخاص اعتقدوا أن الوظيفة العامة حق مكتسب. إن تدوير الوظيفة العامة لا يمكن أن يكون بتحريك الأشخاص كل بدل الآخر في حلقة مغلقة؛ إذ لابد من تطعيم الوظيفة العامة بقدرات شابة من كل شرائح المجتمع لكي لا تبقى حكراً لفئة بعينها، حتى لا يصاب الوطن بالعجز ويتوقف الإبداع وتتعاظم الكراهية بين أبنائه. تعيين المحافظين وتغييرهم، وإن كان في حلقة مكررة، إلا أن ذلك يحرك الساكن ويدفع بالراكد إلى النشاط، كما أنه يحدث توتراً إيجابياً في وعي الناس، ومن ثم يترك للجماهير فرصة التفاعل والتقييم لكل توجه أو إنجاز، وظهور رؤية جماعية لمن أحسن أو أهمل، وقد نجح البعض وفشل وركد وتجمد وأهمل البعض الآخر. المشكلة تكمن في بعض المحافظات التي انقطع عنها تيار التغيير والتجديد، وتحول المحافظون فيها وبعض مديري العموم إلى نصب تذكارية!!.