عندما يُقال لك إن إحدى مؤسسات الدولة سحبت كذا مليون ريال من البنك المركزي وسكبت عليها بترولاً وأحرقتها لن تصدق حتى لو أقسموا لك أغلظ الأيمان، لكن هذا يحدث بل حدث في اليمن.. قبل نحو عامين قررت الإدارة العامة للمرور تنظيم شوارع العاصمة صنعاء وتخطيطها وتحديد أماكن عبور للمشاة.. وقد كلف ذلك بضع ملايين من الريالات.. وما أجمل صنعاء والخطوط الصفراء تزيّن شوارعها من «بير عبيد» حتى بوابة المطار. لكن للأسف الشديد أن الإدارة العامة للمرور بعد أن أكملت المهمة، واحتفلت بإنجازها نسيت أن تخبر أجهزتها بأن الخطوط الصفراء عند مفترقات الطرق هي لعبور المشاة، ولضمان سلامة المواطنين. أمس وأنا أعبر من جولة عبدالناصر في شارع علي عبدالمغني بعد أن رأيت يد شرطي المرور ترتفع بدل الإشارة الضوئية الحمراء «العاطلة» منذ أشهر فاجأتني إحدى السيارات حتى كادت أن تصدمني متجاوزة خطوط العبور.. التفتُّ إلى شرطي المرور وأخبرته كيف يسمحون للسيارات بالتوقف على أو بعد مناطق العبور، فسخر مني وأدار وجهه صوب الجهة الأخرى!!. صعدت «تاكسي» وأنا أتذمر متوجهاً الحصبة، وتحدثت للسائق حول أهمية خطوط العبور وضرورة أن ننشر الوعي باحترامها كأحد حقوق المشاة.. المفاجأة أن جولة القيادة خالية من خطوط العبور.. والمفاجأة الأعظيم أن سائق الأجرة أراد أن يثبت لي أنه رجل يحترم خطوط العبور فتوقف عند جولة سبأ قبل خطوط العبور؛ لكنه للأسف أهين من قبل شرطي المرور الذي صرخ عليه بصوت عالٍ وطلب منه التقدم حتى طرف الشارع، متجاوزاً بذلك خطوط عبور المشاة.. وكان ذلك الساعة الثانية عشرة والربع ظهراً. أتوجه بالسؤال للأخ مدير عام المرور: يا ترى ما رأيه برجال المرور وهم يجبروننا على مخالفة قواعد وأنظمة المرور، ولماذا تتجاهل جميع أجهزة المرور إلزام سائقي السيارات على التوقف خلف خطوط العبور التي لم يبق منها غير ظلها، والسؤال الأهم هو: لماذا خسرتم ملايين الريالات على تخطيط الشوارع إذا لم تكن هناك نية للعمل فيها!؟. ولا أعتقد أن الأخ مدير عام المرور غريب عن شوارع صنعاء وحتى بقية مدن اليمن، لذلك لابد أنه يرى في ذهاب وإياب السيارات الواقفة على الأرصفة حتى تغلقها تماماً.. وتلك المحتشدة أمام المطاعم الراقية. إذن ألا يعتقد أن وقوف السيارات على الأرصفة تضطر المواطن للنزول إلى الشارع والتعرض للخطر، أو التسبب بمضايقة السيارات باعتبار أن تلك السيارات اغتصبت حقه وعليه أن يتعدى على حقها.. وإذا لم نرغب في القياس إلى السلامة العامة للمواطن فإن علينا أن نحسب الضرر الذي تلحقه هذه الظاهرة بالمال العام.. ففي كل عام تضطر الحكومة إلى إعادة إصلاح الأرصفة بعد أن تخربها السيارات، وهذا يكلف مئات الآلاف وأحياناً الملايين ويستنزف المال العام في أمور يمكن تفاديها؟!. أوجّه رسالتي إلى الأخ مدير عام المرور: سيدي الفاضل نحن نعلم صعوبة المهمة المناطة بإدارتكم، ونعلم أنها مرتبطة بمستوى وعي وثقافة المجتمع، وأن المسألة تتطلب سنوات حتى نقنع المواطن بعدم قطع الشارع من غير أماكن العبور، أو نقنع السائق بعدم التوقف على خطوط العبور.. ولكن هذا لا يمنع من المحاولة. وها نحن إعلاميين ومثقفين ومتعلمين نضع أقلامنا تحت تصرفكم، متطوعين لنشر الوعي المروري لضمان سلامة مواطنينا، فبادروا إلى طلب مساعدتنا وسنكون رهن إشارتكم لتنفيذ حملة وطنية من أجل «حقوق المواطن في الطريق». لكن يبقى عليكم توعية شرطي المرور بأن تجاوز خطوط العبور يعد مخالفة يحاسب عليها السائق.. كما عليكم مسؤولية حماية الأرصفة من تخريب السيارات ووضع التشريعات الكفيلة بمعاقبة المتجاوزين على الحقوق العامة. وهذه تحية منا لكل رجل مرور يقضي دوامه واقفاً على قدميه وسط الحر أو البرد لضمان سلامة أبنائنا.