حتى قبل بضعة أسابيع كنت أسأل بعض الأصدقاء:ماهي الأوراق التي سيلعب بها الرئيس في مكافحة الفساد؟ لكنني أمس تمنيت لو كنت أكثر صبراً حتى يشهر الرئيس أولى أوراقه فأبحث عن البقية!! ذات يوم سئل السيد مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق عن أهم ورقة واجه بها الضربة التي وجهتها الولاياتالمتحدة للنمور الآسيوية ، وعن سر قوة النهضة الماليزية في عهده .. فقال: راهنت على ورقة واحدة فقط هي التعليم، وسخرت كل إمكانات الدولة لتوفير متطلبات التعليم، وتجهيز الجامعات بالمختبرات والتجهيزات، ثم بحثت عن العقول الماليزية المهاجرة واستقطبتها مجدداً لتكون في خدمة ماليزيا.. وهكذا ظل السيد مهاتير محمد يسرد قصة بناء أوسع قاعدة علمية قادت النهوض الماليزي.. تعلمنا في اليمن أن أفضل تقييم للمسئولين هو ما تقرره أحزاب المعارضة اليمنية وليس أحد غيرها، لأنه بقوة المسؤول ونزاهته تتحدد قوة حملة المعارضة عليه،، وحربها ضده، لذلك فإن المسئولين الفاشلين والمؤسسات الفاسدة هم الأكثر أماناً من انتقادات أو حروب المعارضة.. وكذلك أيضاً كان الدكتور / صالح باصرة هو أحد الشرفاء الذين تتحامل عليه المعارضة وتحاول تشويه منجزاته. الدكتور باصرة الذي انتقل من جامعة عدن إلى جامعة صنعاء، عندما بدأ إصلاح أوضاع الجامعة وتشديد النظام والانضباط فيها قوبل بإضرابات هيئة التدريس التي استغرقت 80% من زمن العام الدراسي وجميعهم من المعارضة، ثم قوبل بسلسلة أعمال تخريبية واعتصامات من قبل اتحادات طلاب المشترك لم تهدأ طوال العام الدراسي الماضي.. وقبل عام كتبت في نفس هذا المكان بأن المعارضة منحت الدكتور باصرة شهادة تقدير من غير أن تعلم.. وفعلاً بمجرد رحيله عن الجامعة تنازل الجميع عن مطالبهم.. أمس توج الدكتور صالح باصره أعماله الاصلاحية بوزارة التعليم العالي باتخاذ سلسلة قرارات تغيير لعدد من مديري العموم في مختلف القطاعات الخدمية بوزارته.. كما ألغى عقود عدد من الموظفين الذين ثبت تعاطيهم الرشاوي، فيما أوقف آخرين عن العمل وأحال ملفاتهم إلى الخدمة المدنية.. اليوم ليس هناك من لا يتحدث عن التطورات التي تشهدها وزارة التعليم العالي وجامعاتها، ولأول مرة في تاريخ اليمن تنتظم شؤون البعثات، ويفتح تحقيق مع المتلاعبين بها، والذين حاولوا طمس الحقائق بحريق افتعلوه في الإرشيف.. وكانت التفاتة طيبة من لدن الأخ الوزير رفع مخصصات المبتعثين للدراسة في الخارج بمعدل مائة دولار شهرياً كمرحلة أولى.. إن التجربة التي يخوضها معالي الوزير صالح باصرة هي أشبه بتجربة السيد مهاتير محمد، وإن الحماس لدى الإثنين يماثل بعضه، وإن الهدف المنشود واحد، لكن الفرق الوحيد بينهما أن الأول كان يملك بين يديه كل الإمكانات المادية التي تكفل له كسب الرهان ، بينما الثاني لا يملك سوى خبرته وشجاعته وشرفه المهني والإنساني وما عدا ذلك فإنه بيد وزارة المالية التي قبل شهرين استغيث بالبنك الدولي للتوسط لديها لصرف المستحقات، فيما يوم الاثنين الماضي طلب من جامعة صنعاء ممارسة الضغوط لإعادة «40» مليون ريال مخصصة للبحوث مازالت محتجزة لدى وزارة المالية التي قررت خفضها، وقرر تخفيضها إلى «5» مليون فقط طبقاً لما ذكره الدكتور باصرة. كيف نرفع شعار ثورة التطور ونحرم الجامعات من تمويلات بحوثها، ونمارس البيروقراطية بأوضح صورها، فهل يأتي التطور من معجزة ربانية..!؟ ماذا يفعل الأخ وزير التعليم العالي لمواكبة جهوده في مكافحة الفساد بتحول حقيقي في مؤسسة التعليم العالي إذا كان كل شيء بقبضة المالية.. وهي وحدها من تقرر كم خطوة يتقدم وكم من الوقت يبقى يراوح في مكانه.. اليوم لدينا مهاتير يمني أثبت جدارته على أرض الواقع وليس بالكلام أو بالتقارير الورقية.. وإذا كان ثمة من يراهن على نهضة فليرفع الوصاية المالية عن وزارة التعليم العالي، وليطلق يدها في كل شيء حتى بتعيين مديري المالية والحسابات، فليس في العالم دولة لا يمتلك فيها وزير سلطة على مدير مالية وزارته وحساباتها..! فياسادتي الأفاضل من المستحيل أن نتحدى أحداً على قطع طريق في زمن قياسي بينما نضع وقود سيارته بيد آخر يعطيها منها مايشاء ويقتر عليه كلما رآه يتقدم!!.