في اليومين الماضيين كان المثل الشعبي «ديمة وخلفوا بابها» لازمة ألسنة الكثيرين في وصف الحكومة الجديدة مع أنها ليست كذلك، وبشيء من التأمل سيفطن المتأمل أنها حكومة «نيو» أو جديدة على صعيد:الكادر،التسميات ،المعايير، ومختلف مقاييس ومعادلات تشكيلها، وعلى نحو لايدعو عملياً لخيبة الأمل التي بدت على وجوه الكثيرين،قدر مايدعو للتفاؤل ويعزز الأمل الذي صرنا جميعنا نعيش عليه في بلوغ «يمن جديد ومستقبل أفضل». صحيح إن الحكومة السابقة وماجرى عليها لاحقاً من تعديل، قد كسر قاعدة الجمود، ووسع أفق الاحتمالات ودائرة توقعات التغيير، وربما بدت نظرياً نسبة التغيير في هذه الحكومة الجديدة الثامنة في عهد الوحدة، أقل منها في آخر تعديل حكومي «فبراير 2006م» على سباع الحكومات «مايو 2003م» لكن هذا الثبات لنحو 17 وزيراً في حقيبته الوزارية يحسب لصالح الحكومة الجديدة وليس حجة عليها.. كيف؟ بالنسبة للوزراء السبعة عشر الذين حافضوا على حقائبهم الوزارية في الحكومة الجديدة، هم في الأساس وزراء جدد،لم يمض أكثر من 13 شهراً على تعيين أغلبهم في الحكومة السابقة بموجب التعديل الحكومي، وبالكاد كانوا قد انتظموا في وزاراتهم ووضعوا أيديهم على مفاصلها وأوجه التقصير في كل وزارة، وشرعوا في وضع الحلول والمعالجات لها، ولهذا فقد كان من الهدر للوقت والجهد تبديلهم أو تغييرهم في الحكومة الجديدة. في المقابل نلحظ أن أغلب الوزراء الاثني عشر الذين غابوا عن هذه الحكومة، هم قياديون في المؤتمر الشعبي، ومن أكفأ وزرائه ولكل منهم نجاحات مشهودة، ولهذا فإن غيابهم أو عدم التجديد لهم ليس لضعف أدائهم أو افتقارهم مقدرة الاتيان بأبدع مما كان ،بل نهج جديد للحزب الحاكم، ولهدف تنظيمي حزبي تجلى صراحة في خطاب رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة السابق الأستاذ/عبدالقادر باجمال،الخطاب الذي مثل في ذاته جديداً وعلامة فارقة في تاريخ وأدب المعاملات السياسية،في بلادنا. كما أن سحب هؤلاء الوزراء القياديين وتفريغهم لشئون تنظيم المؤتمر، وعلاوة على أنه يجنبهم الاخفاق في مهمة على حساب الأخرى أو كما يعبر عنه بالمفهوم الشعبي الدارج «صاحب المهرتين كذاب»؛ فإنه أيضاً يدعم توجه تقليل الصبغة الحزبية للحكومة وأعضائها، في مقابل تغليب الصفة الأكاديمية التي ظهرت للمرة الأولى في الحكومة السادسة «إبريل 2001م»،وتعززت في الحكومة السابعة «مايو 2003م»،ثم في التعديل الحكومي «فبراير 2006م»،لتطغي على هذه الحكومة. بينما الوزراء الأربعة الذين جرى تبديل مواقعهم أو حقائبهم الوزارية، فيظهر من تتبع مسارات تشكيل الحكومة في البلاد، ومن قراءة السير الذاتية لهؤلاء الوزراء، التي نشرتها وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»؛ أن أغلب هذه المناقلات تأتي في صالح أعمال مبدأ توافق التخصص العلمي والعملي، وتسير باتجاه تعيين هؤلاء الوزراء وتقريب نشاطهم من مجالات عطائهم الأكثر والأقرب إلى خبراتهم العلمية والوظيفية. ثم نأتي إلى معايير جديدة تظهر من وحي التشكيل لاختيار الوزراء الاثني عشر الأجدد الذين أضيفوا إلى تشكيله الحكومة الجديدة، وتؤكد جدية توجه القيادة السياسية للبلاد، نحو تشكيل حكومة كفوءة وقادرة على تأدية المهام المحددة وتحقيق الأهداف المرسومة لبرنامج المؤتمر الشعبي ورئيسه رئيس الجمهورية، ولعل أولى هذه المعايير ترجيح معيار الكفاءة العلمية والخبرة المهنية والسمعة الوظيفية،على أية معايير أخرى. يظهر هذا جلياً من أسماء الوزراء الأجدد الذين تضمنهم التشكيل الأخير للحكومة،وربما باستثناء محافظ حضرموت السابق عبدالقادر هلال الذي عين وزيراً للإدارة المحلية؛ فإن المتابع يلاحظ أن أغلب هؤلاء الوزراء الجدد يشتركون في صفة«العمل دون ضجيح»،إذ لم يكونوا من أسماء الأحداث المحلية أو نجوم التناولات الإعلامية مثلما هو حال الوزير هلال، رغم أنهم من أجد وأنشط العاملين في مواقعهم. كذلك من الأمور التي تحسب لتشكيل الحكومة الجديدة، تأكيده جدية جملة توجهات واعية لطبيعة وأولويات الإصلاح في هذه المرحلة، من هذه التوجهات، تأكيد التشكيل الحكومي الأخير تصدر الأمن والاقتصاد أولويات أجندة الواجبات والمهمات وتبعاً في الصلاحيات والامكانات، على خطى تنفيذ خطة الإصلاحات الوطنية الشاملة، وفي أبرز جبهتين ركز عليهما البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية:جبهة الاستقرار وجبهة التنمية. وبعد أن ظهر هذا التوجه في التعديل الحكومي «فبراير 2006م» يجعل قطاع الأمن والاستقرار في المرتبة الثانية مباشرة لرئاسة الحكومة، وتنصيب وزير الداخلية نائباً لرئيس الوزراء؛فإن التشكيل الحكومي الأخير أكد هذا التوجه لما حققه من نجاح في تجويد الإدارة الأمنية للبلاد انتشاراً وضبطاً وتأهيلاً، فثبته من ناحية، ودعمه بترقية حقيبة الاقتصاد للمرتبة الثالثة مباشرة بعد رئاسة الحكومة،وتعيين وزير التخطيط والتعاون الدولي نائباً ثانياً لرئيس الوزراء. يضاف إلى هذه التوجهات الإيجابية للتشكيل الحكومي الأخير، تأكيده الإرادة الوطنية المتنامية وتوجه القيادة السياسية ممثلة في رئيس الجمهورية، وبرنامجه الانتخابي، نحو مزيد من تمكين المرأة للمشاركة الفاعلة في مختلف مجالات الحياة العامة، بدءاً بالمشاركة في صنع القرار والإدارة من أعلى مستوياتها «الحكومة» حتى أدناها «الأسرة»،فلم يشهد التشكيل الحكومي الأخير تراجعاً لنصيب مشاركة المرأة وأبقى لها على مقعدين أو حقيبتين وزاريتين. أيضاً يحسب للتشكيل الحكومي الأخير، أنه لم يكابر، وأقر بأن تجربة دمج وزارتي الخارجية والمغتربين لم تكن موفقة أو لن تكون قياساً باتساع ساحة نشاط كل وزارة منهما وتشعب اختصاصاتها وتعقد مهماتها في عالم متغير لايعرف الثبات وحراك سياسي متقلب ماعادت له قواعد أو معايير ثابتة، فكان أن تضمن التشكيل الحكومي وزارتين مستقلتين وليستا منفصلتين بالضرورة واحدة للخارجية والأخرى لشئون المغتربين. وفي هذا أيضاً،يحسب للتشكيل الحكومي الأخير أنه دمج مسارين بارزين لمساعي معالجة مشكلة عوز الطاقة في البلاد، وإنهاء انعكاساته السلبية على مختلف قطاعات الإنتاج والاقتصاد والاستثمار،إلخ وبدلاً من أن تظل مساعي المعالجة مشتتة بين مساري وزارة الكهرباء من جهة والهيئة الوطنية للطاقة الذرية من جهة ثانية:فإن التشكيل الحكومي دمج كلا المسارين في مسار واحد المسلك والمسعى والغاية، حين جعل من رئيس الهيئة وزيراً لما أسماه «وزارة الكهرباء والطاقة». على أن الجديد الأبرز،بشأن الحكومة هو مهماتها غير الاعتيادية بالمرة، المحددة بدقة في البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، الفائز بثقة أغلبية المواطنين، وهي المهمات التي بقدر ما تبدو تحديات حقيقية، وربما مهمات صعبة بحساب الزمان والمال،بقدر ما تظل أمنيات وطنية ممكنة، فقط بتوافر الإدارة الحكيمة، والإرادة القوية، وكلا هذين المطلبين متوافران، كما يبدو لنا في توجهات وخطابات القيادة السياسية، أو في توجه وكفاءات الحكومة. وهو التوافر الذي سيقابله ولابد أن يقابله بطبيعة جدية توافرهما تأييد ودعم باقي هيئات السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في البلاد، فضلاً عن أن توافر المطلب الأكثر أهمية، إرادة وتأييد ودعم مرجع كل السلطات في البلاد، السلطة الشعبية التي انتخبت البرنامج الانتخابي للمرحلة من بين جملة خيارات متاحة، فوافقت عليه ومنحته ثقتها، وصوتت له وأقرت بالأغلبية تنفيذه، ومن حقها اليوم أن ترقب هذا التنفيذ وتراقب خطواته،و.. والله الموفق.