التفجيرات المتوالية في الدار البيضاء التي يقوم بها انتحاريون ينتمون إلى جماعات إسلامية تطلق على مثل هذه الأعمال غزوات جهادية تثير العديد من الأسئلة حول الفكر الذي يدفع هؤلاء الشباب إلى القيام بمثل هذه الأعمال التي سواءً اتفقنا أم اختلفنا على تسميتها بالانتحارية أو الاستشهادية فإنها لاتؤدي إلا إلى قتل الأبرياء وزعزعة الأمن في الدول العربية والإسلامية دون أن تحرر أقصى أو تسقط عروش جبابرة.. وغالباً مايكون المتضرر الأول والأخير هو المواطن العربي المسلم البسيط الذي يدفع ثمن مثل هكذا أعمال من دمائه لو صادف تواجده في ساحة الغزوة ومن ماله على شكل خسائر مادية واقتصادية ومن حريته فقد أصبح مشبوهاً أينما حل فهو في وطنه مشبوه وفي الخارج مشبوه معدودة كل أنفاسه مراقبة كل حركاته محارب في دينه ومصدر عيشه ..إن تقرب إلى الله وأخلص في دينه أثبت تهمة الإرهاب عليه وإن لبس الموضة وحلق اللحية صار في عيون وكلاء الله في الأرض علمانياً وربما مرتداً. الغرب وعلى رأسه أمريكا يرى أن مناهج التعليم في الدول العربية والإسلامية هي السبب الرئيس لظاهرة التطرف الديني والحل بنظرهم يكمن في تعديل تلك المناهج لتحوي قصائد حب وغرام بماما أمريكا والعم سام..والعديد من الدول العربية والإسلامية ترى الحل في تضييق أكثر لحرية تكاد معدومة في بعض الدول وإطباق الخناق أكثر على شباب هم أصلاً مخنوقون بأوضاع اقتصادية بائسة، وكلا الحلين الغربي والعربي لايفيدان في اقتلاع جذور الظاهرة وإن ساعدا في الحد من خطورتها. قامت إحدى القنوات الفضائية العربية بعرض منزل الشقيقين المغربيين اللذين فجرا نفسيهما في الدار البيضاء وكان المنزل عبارة عن غرفة واحدة لاتكفي شخصين ناهيك عن أسرة من سبعة أشخاص فالوازع الديني وحب الشهادة لم يكونا السببين الوحيدين اللذين دفعا الأخوين إلى إنهاء حياتهما بهذه الطريقة المأساوية والعبثية، وهذا لايعني أننا نتفهم ماقاما به من عمل جنوني لكن علينا أن لا نغفل العامل الاقتصادي فربما لو حصل أمثال هؤلاء الشباب على حياة تصون كرامتهم وتلبي طموحاتهم لكانوا اختاروا طريقاً آخر ولأصبحوا من بناة الوطن لا هادميه. إن ماأرمي إليه هنا هو أن غياب العدالة الاجتماعية واختلال ميزان المساواة في أي مجتمع تجعله عرضة للعديد من المشكلات الاجتماعية مثل تفشى الفساد والجريمة المنظمة وغير المنظمة ذلك أن قطاعات من المجتمع تحس بأنها مهمشة وحقوقها غير مصونة فتسعى للانتقام من المجتمع الذي ظلمها بطرق شتى ،ومثلما أن العصابات الإجرامية تستغل هذه المشاعر لتجنيد أفرادها فإن الجماعات المتطرفة تعمل الشيء ذاته وإن اختلفت الوسائل والأهداف. إن من الخطأ تجاهل أوضاع الشباب في المجتمعات العربية والإسلامية وغض النظر عن أوضاعهم الاقتصادية المزرية والناتجة عن سياسات اقتصادية عاجزة وسوء في توزيع الثروة مما وسع الهوة بين طبقات المجتمع وولد شعوراً قاتلاً بالغبن لدى أعداد كبيرة من الشباب.. وصحيح أن الوضع الاقتصادي ليس السبب الوحيد في تفشي ظاهرة التطرف لدى الشباب بدليل وجود هذه الظاهرة في مجتمعات عربية تتميز بالثراء لكن من المؤكد أنه يلعب دوراً مهماً في دفع الشباب نحو طريق لايقودهم إلا إلى الهلاك. - كلية الآداب جامعة تعز