جولة جديدة لرئيس الجمهورية إلى الولاياتالمتحدة ، لكنها جولة مختلفة عن سابقاتها، ليس في الغايات المنشودة وحسب بل حتى في الظروف والتوقيت. عندما تتداول وسائل الإعلام العلاقات اليمنيةالأمريكية دائماً تحرص الوكالات العالمية على وصف اليمن بأنها «صديقة» الولاياتالمتحدة ، وهي مفردة قلما يرددها الإعلام الخارجي في حالات مماثلة .. واليمن من جهتها أيضاً تتحدث عن صداقة مع أمريكا .. وهي في مدلولها التاريخي صداقة وثيقة تعود إلى بداية الثمانينيات لكنها تتوثق بقوة في أواخر الثمانينيات بعد تبادل الرئيس/علي عبدالله صالح الزيارات مع الرئيس جورج بوش «الأب». وبغض النظر عن التاريخ فإن الحقيقة التي يجب ان يقرأ بها كل باحث علاقات اليمن مع أمريكا يجب ان تنطلق من مبدأين : أولهما أنها علاقات مبنية على أساس مصالح متبادلة وثانيهما ان هذه المصالح لا يجب ان تمس الثوابت اليمنية المعروفة للجميع. فإذا كانت اليمن تحالفت مع الولاياتالمتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الحرب الدولية ضد الإرهاب فلأن اليمن متضررة من الإرهاب ، ولأن العنف ممارسة منبوذة تنكرها السياسة اليمنية لكن اليمن رفضت التحالف مع أمريكا في حرب الخليج الثانية لأن من ثوابتها رفض التدخلات الأجنبية وإعطاء الأولوية للحل العربي والحلول السلمية خاصة وان البلد الضحية والبلد الجاني كلاهما عربيان. اليوم رئيس الجمهورية في الولاياتالمتحدة من أجل غايتين أساسيتين ، الأولى السعي لتفعيل مبادرة السلام العربية ومخرجات القمة العربية التي عقدت في الرياض، والثانية في أجل الترويج للاستثمارات اليمنية ودعم المسار التنموي. في كلا الحالتين هناك مصالح مشتركة منشودة من خلال هذه الزيارة .. فالسلام مطلب لا يعني اليمن وحدها بل يعني المنطقة كاملة ويعني الولاياتالمتحدة أيضاً رغم أنها تبعد عن المنطقة حوالي عشر ساعات بالطائرة .. حيث ان الكثير من الشركات الأمريكية تستثمر في المنطقة خاصة في المجال النفطي الذي تعد شركة «هنت» أكبر المستثمرين فيه .. كما ان كميات كبيرة من الطاقة التي تستهلكها الولاياتالمتحدة تأتيها من دول الخليج وكذلك الحال بالنسبة لأوروبا .. ولعل وجود الولاياتالمتحدة في منطقة ساخنة هي من أشعلت نيرانها لا يسمح لها بالمجازفة بمزيد من الانفجارات العنيفة في أي بلد آخر لأن ذلك سيشل حراكها الاقتصادي وقد يطيح بإدارتها .. لذلك يهمها جداً ان تحتفظ لنفسها بقدر مناسب من السلام. ومن هنا نجد ان السلام مسألة حيوية بالنسبة لليمن للنهوض بتنميتها ، لكنه مهم أيضاً للولايات المتحدة التي يجب عليها التفاعل مع اتجاهات المبادرة العربية التي يحمل الرئيس صالح رؤاها إلى واشنطن وعلى صعيد آخر فان الرئيس/علي عبدالله صالح يتطلع إلى عقد لقاءات مع شركات استثمارية أمريكية لحثها على توجيه نشاطها نحو اليمن ولإقناعها بالامتيازات والضمانات التي توفرها لها الحكومة اليمنية وهي جزء من رهانات هذه المرحلة التي كرست لها الحكومة مؤتمر استكشاف الفرص الاستثمارية. ومن الملاحظ ان الرئيس صالح هذه المرة يزور واشنطن بمعادلات جديدة .. فهو الرئيس العربي المنتخب بانتخابات شرعية أشادت بها الولاياتالمتحدة وبنزاهتها .. كما انه يزور واشنطن بعد ان حقق الكثير جداً من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية والقضائية التي أثارت إعجاب البيت الأبيض ودفعت صندوق الألفية إلى إعادة إدراج اليمن ضمن الدول المستحقة للمساعدات التي يقدمها. كما ان مواقف الرئيس صالح إزاء مختلف القضايا الدولية كانت متوازنة ومتعقلة وأكدت رجاحة الحكمة اليمانية في التعاطي مع التحديات والتطورات والمتغيرات السياسية الدولية. لاشك ان كل ما سبق يمثل رصيداً جديداً للرئيس صالح سيحمله معه إلى واشنطن ليؤكد ثقة المستثمرين الأمريكيين بوعوده وبكل الضمانات التي يتحدث عنها .. لذلك نقول إنها زيارة مختلفة من شأنها ان تدر على اليمن بالخير والنجاح بإذن الله تعالى.