إن ايماننا لم يكن حقيقيا، ولم يكن صادقاً بالديمقراطية، انما نزيف انفسنا ومبادئنا دون أن ندري.. اننا نسهم من حيث ندري أو لاندري في اغتيال الديمقراطية. ولنعد إلى مسألة حرية الكلمة ولابد لنا أن نتساءل والسؤال مر وعلقم : ترى أي قادر غاشم، ابتلى خطابنا الإعلامي وقسمه إلى قسمين : خطاب مداح وخطاب نواح لقد بلينا بفئة باغية، متعصبة، تضيق الخناق على الكاتب أو المفكر، وتلغي ثمرة فكرة بجرة قلم، خشية أن يجد هذا الفكر صدى بين العقول المتطلعة إليه والقلوب المتلهفة عليه، اضافة إلى اليأس من الوضع والبشر اللذين يدفعان الكاتب إما إلى مسايرة الوضع أو الانتحار النفسي، فإما أن يشطب المحرر مابدى له أن يشطب، أو يلجأ الكاتب إلى أن يشطب بنفسه كل مايتعلق بالحقيقة، بل أنه يسود الاوراق بغير الحقيقة ويداري احلامه واشواقه، حيرته وظنونه، اسئلته واتهاماته، لحظات ضعفه ولحظات قوته، تطلع إلى الخلاص، وإدانته للحاضر الذي يحول بين الناس والغد الواعد باحلام المستقبل. من الذي يستطيع ان يستنطق مافي داخل الكاتب من تمرد على الاوضاع السيئة، ومافي أعماقه من لهيب الغضب على الذين يزيفون الحقائق ؟ وكيف للكاتب أن يهادن الوضع وهو يرى ان الوطن يتعرض كل يوم للاجتزاء والحقيقة تتوارى، والناس لاهم لهم إلا مزيداً من سرقة المال العام، أو هدره ؟ كيف للكاتب المعجون باحزان هذا الوطن ان يتأقلم مع وضع كهذا أو يسكت عنه وهو الذي يكتب آملاً ان يحقق بعض حلمه، ويسهم في تنوير عصر، فيمضي الوقت وتمر السنون ويقترب العمر من نهايته، وتصبح الحياة قاب قوسين أو أدنى من الموت، والحلم يتباعد والوطن تخور قواه وسوق الحقيقة تزداد كساداً، فيتصاعد اليأس ويصل إلى ذروته التي لايبقى معها سوى الجنون الذي يقترب بالرغبة في تدمير الذات. وهي رغبة يؤججها تصاعد الاحساس بضياع الحقيقة، وتسلط سوء الظن بالحياة والاحياء، وافتقاد الرجل الرشيد، وتصور الحياة على انها غابة موحشة، والنظر إلى البشر على أنهم كائنات هلامية مثل الدمى تحركهم الأوهام، ولايدركون معنى الحقيقة ولامعنى المستقبل، أو قيمة مايخطه القلم. هناك اخصاء يمارسه الرقباء على الكلمة وهم لايعلمون انهم بفعلهم هذا إنما يخصون ذواتهم وحضورهم عقاباً لانفسهم على مااقترفوه تجاه مصادرة الحقيقة وكأنهم يردعون التطلع إلى المستقبل . هل نعد مايقومون به انماهو بدافع الرغبة في التدمير والخلاص من الحقيقة التي تؤرقهم وتطاردهم في صحوهم ومنامهم فغياب الحقيقة يجعلهم يرتاحون من المواجهة. ان المحرر الذي يمارس الحذف، انما يمارس فعل الدمار، وهو مثله مثل الذي يريد أن يطمس منجزات الوطن، فلا فرق بينهما فالمحرر لايدري انه بفعله هذا يشطب نفسه قبل ان يشطب العبارة الدالة على الوجع وعلى كشف الحقيقة ان الكاتب لايملك سوى قلمه، فإذا وجده يخونه فليس أمامه إلا أن يكسره ولكن متى يخون القلم صاحبه ؟ ومتى يشقى صاحبه به؟ ومتى تصبح الكتابة وطأة على الكاتب ومحنة؟ انها اسئلة تخاطب الواقع والمحررين الذين يعادون الحقيقة، ولم يبق امام العين إلا ان تدمع حزنا وأسى. إلى متى تظل الكلمة الحرة ملاحقة ومقموعة ومعتم عليها إعلامياً ، فإلى متى تستمر هذه الحال، وهل سيظل الرقيب شاهراً قلمه يسود به وجه الحقيقة ؟ في هذه الأيام، والبازار مفتوح على اتساعه، في المداربة والمزايدة، وفي الشأن العام، هل يجوز للكلمة الحرة أن تصمت ؟ علينا أن نكتب كلمتنا، رغم الأسوار العاليات التي تحاول أن تحجبها عن الآخرين. لن تترك لاعداء الوطن والمتربصين به وأعداء الحرية ان يمروا من دون أن نقول كلمتنا في كل مايجري، في صعدة ومأرب والجوف والجعاشن وفي دهاليز الوزارات، فهذه دعوة الأخ رئيس الجمهورية للصحافة والصحفيين لأن يقولوا الحقيقة ويكشفوا حلقات الفساد واذا سكتنا عن قول الحقيقة فسوف نعيش اشباحاً قدرنا أن تكون مع الكلمة حتى ولو كانت مأساوية وقاتلة !