أن تمسك بالقلم وتكتب، فذاك شيئاً جميلاً، لكنك لا تقرأ ما تكتب ولا تدرك عواقب ما تقول فإنها الأمية بعينها والأفظع منها الاستمرار فيها. عندما لا تكون الكتابة ضرباً من الثقافة والتفنن بمفرداتها اللغوية وما تحتويه من تراكيب جملية بالغة الدقة والأثر.. فإنها تفقد أهميتها وتصبح حبر على ورق (لا يودي ولا يجيب)،و لا أدري أين اختفى ذلك الوهج الكتابي الذي كان يسحر القراء بدرر الكتابة وغزارة محتواها. لقد كانت الكلمة وستظل إشعاعاً يقود إلى الخير والإصلاح وتعميق الهوية والدعوة إلى الرشد بما ينفع الناس ويعلي كلمة الحق ولو كره الآخرون. وكان كاتبها على قدر من الثقافة والإدراك المعرفي الذي يشعرك وأنت تقرأ مقاله الصغير وكأنك تتصفح أرشيفاً من الحقائق والمعلومات الوثائقية التي قد لا نجدها بسهولة في أمهات الكتب والقواميس الضخمة بفضل إطلاعه الواسع واجتهاده المتواصل الذي يجعل للكتابة (شنة ورنة) وكلمة باقية في الأفكار والأذكار إلى أن يشاء الله. بينما الكاتب اليوم لا يعمل لأجل الكلمة ولا يحمل على عاتقه ولا في قلمه هم مسئولياتها ومردود انعكاساتها، وهذا ما يجعلك لا تقرأ في كتاباته قوة الكلمة ورصانة المضمون وبلاغة التعبير، وكأنها لم تكن كلمة هو كاتبها. ترى متى يدرك كل ذي قلم أن الكتابة بلغة النعرات والتباهي بصورة الأزمات والمقالات في تسطير العبارات والانغماس في وحلها لا يرفع من قدر أصحابها بقدر ما يضعهم في كفة الانتقاص وانتقادات الألسن الحداد. فالكلمة ذات مكانٍ عالٍ ومقامٍ رفيعٍ يجب أن نعطيها حقها وأن نسخرها لصالح الأمة وبما يخدم مصالح الوطن ويزيد من لحمة أبنائه لا لابتداع الأقاويل والتهاويل الداعية إلى التضليل وفك الارتباط وملء الأوراق بالكلمات الهابطة والعبارات الركيكة التي لا تخلو من ضعف المعلومة وتضارب بعضها بعضاً. إنها كلمة سواء.. يجب قولها والتحري في مصداقيتها؛ كونها أمانة ويقع على الكاتب حق تأديتها والعمل بمقتضياتها بعيداً عن أي نفع شخصي أو تحريف نصي يقلل من قيمتها ويضعف هيبتها التي كانت ترتجف لها القلوب الشداد.. ففي البدء كانت الكلمة وهي أيضاً وستظل كذلك ولابد أن نعطيها حقها ولا ننتقص منه شيئاً في الخطاب والكتاب يا أولي الألباب. وليراجع كل كاتب نفسه قبل أن يحرر أي مكتوب؛ لأن ما وصلت إليه الكلمة من انتقاص إنما هو انعكاس لذلك التردي الذي وصل إليه كثير من الكتاب في وقتنا الحالي، يكفي أننا أصبحنا نسمع كثيراً من الأقاويل المنتقصة لعظمة الكتابة والاستهزاء بها مثل كلام جرائد وكلام فارغ وحبر على ورق وغيرها من الألفاظ المنتقصة والتي أدّت إلى هذا العزوف وهذا الخواء الحاصل بين الكتَّاب والقراء، وليعلم الجميع بأن الفرق واضح بين الكتابة كتنوير وخطابة وبين الكتابة كتحريف وحطابة.. أو بالأصح وحرابة.