كل مقالة أشرع في كتابتها ، هي دورة صداع جديدة ، دورة رشح ودوار تعيد نفسها مع أول نقطة حبر، في كل مرة ، ولا تنتهي مع آخر نقطة ! يشبه الأمر ان تدفع صخرة إلى ذروة جبل ، طيلة يوم كامل ، ثم يكون عليك ان تدفعها مجدداً صباح اليوم التالي ، لأنها تسقط مجدداً إلى جذر الجبل .. وليس من الحصافة ان تسأل : لماذا يتعين عليك دفعها ؟! وما الجدوى ؟! كل مقالة أكتبها هي نفخة روح تغادر الجسد لتحيا في أجساد آخرين ، اتصوَّر انهم يقرأونني .. فماذا لو أنه ما من أحد يقرأني أصلاً ؟!عندها فقط تكون الكتابة بمثابة انتحار في الفراغ ، تلاشٍ أخرق في اللاشيء .. وأنا أريد أن أحيا في الآخرين ، لا أن أموت مستوحشاً وحيداً مثل قطة ضالة في قبو مغلق ! انني أكتب بحافز الاحساس ان هناك من سيقرأ، وبغير هذا الحافز أختنق بحروفي وأموت .. اتخيلني لحظة الكتابة مطلوباً من قارئ ما ، ينتظرني بشوق على الضفة الأخرى من المطبعة .. لذا فإنني أتعذب كثيراً كي اليق بهذا القارئ المفترض وأكون جديراً بانتظاره .. فمرة أناضل لأكون رغيفاً يسند ضلوع جاذع ، ومرة لأكون وردة تزرعها عاشقة في عري مخدتها الخالية وتخبئها في كراسة المدرسة ! ما أشقى ألا تكون حاجتك للكتابة مساوية لحاجة القارئ اليها .. ان من مصلحة الحياة حينها ان تبحث لك عن حرفة أخرى ، أو أن تنتحر ، لكن كيف للكاتب أن يوازن بين الحاجتين ، ليتخذ القرار ، ليواصل إراقة الحبر ، أو لينسحب إلى العتمة ويموت بهدوء مطمئناً من صواب قراره ؟! تلجأ الصحف عادة إلى الاستبيانات ، حتى تتخلص من عبء الأقلام التي تثقل صفحاتها وقلب القارئ، تبعاً لمردود الاستبيان ..تلك حيلة الصحف لفرز مقامات كتابها ، غير أنه ينبغي أن يكون للكتاب أنفسهم ، مجسّهم الخاص ، ومسبارهم النفسي الأدق ، في تشخيص علاقتهم بالقارئ ! « يقرأنا الآخرون لأننا نتحدث عن أشياء يحسون بها ولا يملكون قدرة التعبير عنها » تلخص غادة السمان سر علاقة القارئ بالكاتب المبدع ، في عبارتها السابقة وفي الكتابة الصحفية ، يبحث القارئ في الغالب عن المعلومة والتحليل والرأي المبرهن محمولاً في قوالب شيقة ، لكن لاغنى عن الإحساس الذي يشع دفئاً وحياة فيما نكتبه على اختلاف أنواعه .. إنه الاحساس ولاسواه ! .. الاحساس الذي لو تمتع به غالبية من يجلدون أعصاب القارئ بحروفهم؛ لرفعت الأقلام وجفت الصحف . تذييل اذكريني فقد لوثتني العناوين في الصحف الخائنة ، لونتني فمنذ الهزيمة لالون لي، غير لون الضياعْ ... ... الوداعْ الوداعْ أمل دنقل