تداولت وسائل إعلام ومجالس اجتماعية زيارة الأخ رئيس الجمهورية إلى الولاياتالمتحدة بفيض من الآراء والتحليلات وكلٌ سلط الضوء على أمر لفت انتباهه إلا أن المشهد الأهم مازال غائباً عن ساحات نقاشاتنا. فاللقاءات التي عقدها الرئيس/علي عبدالله صالح مع مسؤولي البنك الدولي والخارجية والمكتب الفيدرالي ومؤسسة التنمية الوطنية الأمريكية والبرلمان والمخابرات، وصولاً إلى القمة التي عقدها مع الرئيس جورج بوش هي كلها تماثل لقاءات سابقة وجهوداً تعودناها من لدن الأخ الرئيس ان يبادر إليها من أجل توثيق علاقات اليمن مع الخارج وتعزيز المصالح المشتركة ومد المزيد من جسور التعاون التي تعود على البلد بالخير. لكن لقاء رئيس الجمهورية بقيادات الجاليات والجمعيات اليمنية كان متميزاً بموضوعه الرئيس الذي ظل الرئيس يؤكد عليه وهو التعليم وضرورة ان يدفع المغتربون بأبنائهم إلى المدارس والجامعات .. إلى جانب التشديد على أهمية التركيز على اللغة العربية والتربية الإسلامية. وقد أولى الرئيس مسألة تدريس اللغة العربية تأكيده لعدة مرات خلال ذلك اللقاء ووجه السفارة واللجنة التي شكلها بالوقوف على معوقات التعليم ووضع التصورات للآليات المطلوبة لتذليلها واعداً الجاليات بتقديم الدعم الكامل لتعليم أبناء المغتربين .. ولعل هذا الحرص الكبير يكشف مدى القلق على الهوية الوطنية وقيم الانتماء التي ينبغي ان يكون عليها أبناء المغتربين .. وهو قلق لا وجود له عندما يجري الحديث عن جاليات اليمن في دول الخليج العربي، لكنه يتعاظم في بلد مثل الولاياتالمتحدة التي تختلف معنا لغة وثقافة وديناً. ومن هنا وجدنا الأخ الرئيس لا يكتفي بالقلق بل يوجه لوضع الدراسات بشأن مدى احتياج سوح الاغتراب اليمني لمدارس والإمكانية لتوسيع أو دعم القائم منها في الوقت الحاضر .. وهذه التفاتة تؤكد وعي وحكمة القيادة السياسية اليمنية التي أصبحت تتعامل مع التطورات الدولية من واقع تمثيلها لتحدٍ ثقافي وحرب حضارات توجب على كل طرف اعداد العدة لمواجهتها والتحصن من دمارها. وفي الحقيقة ان اليمن تعد في صدارة الدول العربية التي ترعى تعليم أبناء المغتربين وتدعم المؤسسات القائمة على ذلك .. ومن واقع معلومات حصلت عليها من الأخت أنيسة غانم مدير عام الشئون الثقافية والإعلامية بوزارة المغتربين، فإن هناك 67 مدرسة تابعة للجاليات اليمنية في الخارج .. منها 22 مدرسة تتوزع على عدة ولايات أمريكية و21 مدرسة في عدة مدن بريطانية ، كما أن هناك العديد من المدارس في دول القرن الافريقي وفي ماليزيا والهند واندونيسيا وغيرها من دول العالم. كما ان الحكومة اليمنية تدعم هذه المدارس بالأموال والمناهج الدراسية وإقامة الدورات التأهيلية للمدرسين فيها إلى جانب رعاية انشطتها الرياضية والفنية المختلفة. وبتقديري ان هذا الدعم غير كافٍ في الظروف الراهنة لأن المغترب بأمس الحاجة إلى وسائل جذب تشده إلى وطنه وتبقيه مشدوداً إلى كل ما يجري فيه .. ومثل هذا الأمر يناط بالدرجة الأولى بوسائل الإعلام الوطنية للقيام بأدوارها في مد جسور التواصل مع دول الاغتراب والجاليات التي فيها وكذلك متابعة اخبارها وتغطية انشطتها وغير ذلك من الممارسات المبتكرة التي تخدم غايات تنمية العلاقة مع الوطن وترسيخ هوية الولاء الوطني. وفي الوقت الذي نولي المهمة على عاتق وسائل الإعلام نعتقد ان كثيراً من الجهات الرسمية المعنية ما زالت غير مدركة لأدوارها ولا تكترث للعملية الإعلامية وتنظر اليها كمسألة ثانوية أو تستغلها لاغراض أخرى لا تتعدى المصالح الضيقة. الآن وبعد الأضواء التي سلطها الأخ الرئيس على هذه القضية لابد من الجهات المسؤولة ان تعي ان الهدف المنشود هو ليس ان نتحدث عن المغتربين هنا وهم يتحدثون عن الوطن عن بعد .. بل هو ان نبني جسور شراكة ونتفاعل مع بعضنا البعض ونقحم أنفسنا في معترك واحد ، بحلوه ومره.