من جديد أكدت الجارة «السعودية» الشقيقة، موقفها الأخوي الداعم لبلادنا، وقناعتها قيادةً وحكومةً وشعباً بقانون العرب قديماً والكون حالياً: « أخاك أخاك إن من لا أخاً له كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاح».. وجاء التجديد هذه المرة، على لسان عضو مجلس الشورى السعودي عبدالرحمن السويلم، مؤكداً الموقف السعودي الذي أعلنه عاهل المملكة في مايو الماضي، وبات يحكم التوجه السياسي للسعودية حيال انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي. كان هذا التجديد المبهج، على هامش مشاركة وفد المملكة العربية السعودية في المؤتمر الثاني لرابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي المنعقد بصنعاء منتصف الأسبوع حين أكد رئيس الوفد عبدالرحمن السويلم، في تصريح صحافي، القناعة السعودية بحتمية انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي ، وقال: «نحن في دول الخليج واليمن امتداد لبعضنا» مُعيداً للأذهان الكلمة الخالدة والصادقة التي دشن بها عاهل السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز العهد الأجد لنماء علاقات الإخاء السعودية اليمنية بإعلانه أنه:« مامن شك شئنا أم أبينا، اليمن جزء من الخليج، ومنه تنبع أصولنا العربية». وهو الإعلان الذي جاء امتداداً وتأكيداً صريحاً لرؤية استراتيجية جديدة باتت تنظر بها قيادة المملكة لمستقبل منطقة الخليج في ظل مايحاك ضدها من مؤامرات وترى في اليمن سنداً أمنياً وسياسياً واقتصادياً لدول الخليج في زمن التكتلات وأن انضمام اليمن بثقله الحضاري والتاريخي والبشري سيشكل قوة إضافية لمجلس التعاون الخليجي وتأميناً دائماً للمنطقة وانعكست هذه الرؤية على قمة قادة الخليج بمسقط «2001م» فقررت انضمام اليمن لأربع من هيئات المجلس ثم أكدت السعودية موقفها بقمة «أبو ظبي» «2005م»، التي أقرت ثلاثة مسارات لتأهيل اقتصاد اليمن للاندماج باقتصاديات دول الخليج. ولهذا فقد تابع السويلم في تصريحه الصحافي قائلاً:« فإذا كانت أوروبا على اختلافاتها المذهبية والفكرية والسياسية وحروبها فيما بينها قد اتحدت والتقت فكيف بنا ونحن أخوة تربطنا روابط الدين والرحم والجغرافيا والمصير والمستقبل الواحد» مؤكداً أن:« انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي قوة إضافية للمجلس» وأن: خطوات تأهيل اليمن للانضمام في المنظومة الخليجية عقلانية وتسير بخطى ثابتة» في إشارة لمؤتمر المانحين المكرس لدعم التنمية في اليمن، ومؤتمر استكشاف فرص الاستثمار في اليمن. والحق أن كلا المؤتمرين ماكانا يعقدا لولا توفيق الله ثم الرعاية السعودية لمساعي الأمانة العامة لمجلس دول الخليج في تنظيمهما وحشد المانحين إلى المؤتمر وحصد بلادنا 4 مليارات و700 مليون دولار منها مليار دولار قدمته السعودية وحدها، بطيب خاطر بذل الأخ لأخيه ، ثم حشد المستثمرين للمشاركة في المؤتمر الثاني نهاية ابريل الفائت وماأسفر عنه من توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم 15 مشروعاً بقيمة «3052» مليون دولار من أصل 100 فرصة استثمارية تعرف عليها المشاركون في المؤتمر هي الآن قيد دراستهم، وتبلغ قيمتها الاستثمارية التقديرية 10 مليارات دولار. وهنا يذكرني إقبال المستثمرين السعوديين أكثر على هذا المؤتمر بدعوة صريحة كان وجهها لهم ولي العهد السعودي في اجتماع مجلس رجال الأعمال السعودي اليمني بالمكلا على هامش أعمال الدورة ال 17 لمجلس التنسيق السعودي اليمني في يونيو الماضي يومها قال الأمير سلطان بن عبدالعزيز مخاطباً رجال الأعمال السعوديين «إن هذا عمل يباركه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأخيه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح» وتابع «لايوجد خاسر فيما يخص التعاون السعودي اليمني وإنما الجميع رابحون» وأردف:«قد تكون هناك خسارة ولكن الخسارة مع الأخ ربح». شخصياً لا أستغرب هذه الدعم السعودي لبلادنا في ظل العلاقات الحميمة بين قيادتي البلدين وبين الشعبين الشقيقين، وما تربطهما على مر التاريخ من أواصر قربى وصلات دم ووشائج أخوة ومصالح مشتركة لاسبيل لها إلا أن تمضي قدماً وهذا مافعلته حتى في أحلك فترات التوتر السياسي التي عصفت بالمنطقة، ظلت هذه الروابط والمصالح المشتركة بين الشعبين الشقيقين في اليمن والسعودية، على حالها لم تتأثر لرسوخ جذورها ورحابة آفاقها على أننا لانستطيع الفصل بين هذه الروابط الشعبية والروابط السياسية التي توثق الأولى وتنميها. ولنا هنا شاهد مبادرة المملكة لتأسيس مكتب «المشروعات السعودية في اليمن» سنة 1972م ثم تطويره في 1975م إلى مجلس تنسيق «سعودي يمني» أعلى، عقد حتى الآن 17 دورة أسفرت عن توقيع «120» اتفاقية ومذكرة وبرنامج تعاون بين البلدين في مختلف المجالات، ودعم السعودية لليمن بما يعادل ملياراً و227 مليون دولار مابين مساعدات ومنح وقروض ميسرة لمئات المشاريع التنموية يضاف إلى هذا الدعم السعودي الرسمي، دعم القيادة السعودية الشخصي لبلدهم الثاني اليمن، عبر التبرع لتشييد مشاريع تنموية استراتيجية في نوعها ودائرة المستفيدين منها. ولعل أبرز هذه التبرعات الشخصية تمويل مشاريع: طريق «تعز صبر» ومستشفى حجة العام ومستشفيات السلام في صعدة والبيضاء، وبناء مستشفى عدن العام، ثم مشروع إعادة بنائه وتجهيزه وتوسعته الجاري تنفيذه، ومشروع إنشاء مركز الجراحة العامة وإعادة تأهيل المستشفى العسكري بصنعاء، وهناك الجاري إنجازها ومنها مثلاً لا حصراً: مشروع تشييد وتجهيز المستشفى التعليمي بجامعة حضرموت، ومركز علاج أمراض السرطان بالمكلا علاوة على 100 منحة علاجية سنوية بالمستشفيات السعودية، وتكليف فرق طبية سعودية زائرة لبلادنا، بواقع فريق كل أربعة أشهر. كذلك الدعم السعودي لبرنامج نزع الألغام التي مازالت تحصد المئات سنوياً في بلادنا ، والبرنامج الوطني لمكافحة الملاريا التي تصيب 900 ألف مواطن سنوياً وتخصيص 100 منحة سنوية للطلبة اليمنيين المقيمين في المملكة بكليات المعلمين و30 مقعداً للطالبات اليمنيات المقيمات بالجامعات السعودية إضافة إلى 100 بعثة دراسية للطلبة اليمنيين بالجامعات السعودية ومثلها في الكليات العسكرية وقبول نحو 170 ألف طالب وطالبة من أبناء الجالية اليمنية في السعودية بصفوف التعليم العام ومعاملتهم كالسعوديين. ربما كان من أهم مقاييس العامة لقياس الدعم السعودي، مدى إتاحة فرص تصدير المنتجات اليمنية للسوق السعودية، وفي هذا تشير الإحصاءات لارتفاع «قيمة التبادل التجاري بين بلادنا والسعودية من مليار دولار في 2004 إلى ملياري دولار عام 2005م». ثم فرص العمل في المملكة وشخصياً فقد قدر لي مرافقة والدي حين حاز منحة لدراسة الجامعة في السعودية ولمست رغم حداثة سني حينها، امتيازات اليمنيين قياساً بباقي الجاليات العربية، في المعاملات وخدمات التعليم والصحة وفي التفضيل لدرجة تضمن إعلانات الوظائف شرط «أن يكون المتقدم سعودياً أو يمنياً». نعم هذا ماظل ينعم به اليمنيون المغتربون في المملكة وهو نفسه ماوطن عائلات تجارية يمنية غدت كبرى بفضل ماحازته في بداياتها من دعم صناديق التنمية والاستثمار السعودية ربما الآن اختلف الأمر بالنسبة لفرص العمل المتاحة لليمنيين في المملكة ونظام الإقامة ، لكن هذا لايلغي حقيقة استمرار تفضيل اليمنيين على سواهم، رسمياً وشعبياً أيضاً ولكن بمعايير أجد، تناسب مواصفات سوق العمل في السعودية والمهارات التي تساهم المملكة حالياً في إكسابها للعمالة اليمنية، بتمويلها إنشاء 19 معهداً ومركزاً للتعليم الفني والتدريب المهني في بلادنا، قيمته 50 مليون دولار. قطعاً، لست بصدد رصد كل ملامح عمق علاقات التعاون والترابط اليمنية السعودية فهي أعصى على الحصر هنا لكني أحاول الإشارة لتنامي الدعم السعودي لبلادنا في الآونة الأخيرة واستشراف آفاق هذا الدعم وثماره في تمتين علاقات البلدين وروابط الشعبين التاريخية ، التي يلخصها ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز لدى استئناف نشاط مجلس التنسيق المشترك بعقد دورته الثانية عشرة في المدينةالمنورة نهاية 2000م بعد توقيع معاهدة جدة وإغلاقها ملف الحدود بين البلدين نهائياً، بقوله:« نحن جميعاً نُعتبر شعباً واحداً ودولة واحدة وهذه هي الحقيقة».