في دول عربية سبقتنا بعقود كثيرة، وفيها الألوف من الدكاترة، نجد أن قوانين التقاعد فيها تحرص على استثمار العقول الناضجة؛ لأن التقاعد في معناه الأول والأخير الاستغناء عن هذه الكوادر. ولا ندري من صاحب هذه الفكرة العبقرية التي أصدرت هذا القانون العظيم الذي يجعل اليمن يستغني عن عقول أبنائه الناضجة، وهي في قمة العطاء والبذل. ولو أن أصحاب هذا القانون العبقري حسبوها من ناحية اقتصادية، فإن اليمن يصبح هو الخاسر الوحيد، لأن كل دكتور كلف الدولة ملايين الريالات، من حين بدأ معيداً في الجامعة حتى استوى دكتوراً. وللأسف فإن اليمن قام بإعداد هؤلاء الدكاترة لدول مجاورة التي حسبتها بشكل صحيح، فمادام أن اليمن أهلّ أبناءه تأهيلاً عالياً فلماذا لا يفيدون منهم ليأخذوهم دكاترة جاهزين؟!. في دول العالم هناك قانون للتقاعد، يحاول الفائدة ما أمكن من أستاذ الجامعة، وفوق السبعين عاماً لا يسمح التقاعد لأستاذ الجامعة أن يشغل منصباً إدارياً ولكنه يظل أستاذاً يمنح أبناء مجتمعه العلم والخبرة والرأي السديد الذي هو خلاصة تجربة ثرية لعقود من الزمن. ثم إن التقاعد يمنح أستاذ الجامعة أضعاف حقوقه، تكريماً للمعلم وأهل العلم الذين لم يسوِ الله بينهم وبين أية مهنة أخرى، بل جعلهم صفوة البشر «هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون». قلنا قبل فترة إن صاحب هذا القانون - للأسف والحسرة - لم يفرق بين "الشقاة" وبين العلماء، بين الذين يعملون بالحجر والطين ويحملون الأمتعة والأثقال وبين الذين يمنحون المجتمع نوراً ربانياً وعلماً دينياً ودنيوياً. ولا نعلم لماذا تتقاعس نقابات هيئة التدريس في أن ترفع دعوى قضائية على هؤلاء الذين هم بالحقيقة يريدون أن يحرموا أبناء الوطن خيرات العلم وعطاء العلماء؟!. وعزاؤنا أن من يقود هذه الأمة رجل يعرف قدر العلماء، وكيف أن أية نهضة لا يمكن أن تكون إلا بهم وحدهم.. والله المستعان.