هل يمكن للحكومة إصلاح الحال في بيئة الاستثمار دون تعزيز الأمن والاستقرار؟ الإجابة واضحة وتتمثل في الحقيقة التي تقول:(إن توفر الأمن وسيادة القانون شرط رئيس للاستثمار) وقد أكد هذه الحقيقة برنامج الحكومة،من خلال:- تنفيذ القوانين ، الإصلاح الإداري ، مكافحة البيروقراطية والفساد، إلزام رجال الأمن باحترام مبدأ سيادة القانون ومواثيق حقوق الإنسان عند مباشرة وظائفهم وصلاحياتهم. وللوصول إلى الأمن المطلوب لتحسين بيئة الاستثمار لابد من معرفة الواقع وتشخيصه كخطوة أولى ومهمة ، لأنه بقدر دقة التشخيص للمرض يكون مفعول العلاج قوياً ، فما هو الواقع؟ لا نبالغ إن قلنا أن الواقع غير مشجع فالكل يشكو من أقسام الشرطة ورجال الشرطة .. قاصدين الله في كل مكان وفي كل موقع وعند الحاجة لمنع جريمة أو ضبطها فلا يتحرك القائمون على الخدمة إلا بمقابل ليس من المطلوب للعدالة فحسب بل يطلب من الشاكي أجرة العسكر أو حق بترول للأطقم، وهذا واقع والكل يعرفه،ولكن هناك أسباب ودوافع لايعرفها كثير من الناس أدت إلى تفشي هذه الظاهرة،وأعتقد أن الأسباب عديدة ومن أهمها:- أولا:إن من يلتحق بهذا الجهاز هم من البشر وهدفهم عند الالتحاق هو تحسين دخلهم (لما يتردد عند الناس أن من التحق بجهاز الشرطة فقد أصبح آمناً من العوز)،وبعد الالتحاق يفاجئ الضابط أو الجندي أن المرتب الذي يتقاضاه لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يمكن الاعتماد عليه في تغطية الاحتياجات الضرورية،وفي هذا الحال ليس أمامه لتغطية احتياجاته إلا ما سوف يأخذه من المواطن وليبحث عن مخالفة حتى لو لم يجد فليجتهد في تكييف أي تصرف لينتزع منه مخالفة،لأن الأبواب الأخرى للاجتهاد مقفلة أمامه من وجهه نظره وهذا محرم عليه قانوناً كما هو محرم عليه ممارسة أي عمل آخر بل يجب تواجده في العمل في كل الأوقات دون حساب للعمل الإضافي. ثانيا:ما دام مرتب رجل الشرطة لا يكفي لسد الحاجات الضرورية فإننا نطلب منه أن يضحي من أجل الوطن والشعب ومادام تأهيل رجل الأمن تم التركيز فيه علي قوة التحمل والقدرة على الدفاع عن نفسه فقط ولم يؤهل تربويا وعقائديا على التضحية والفداء والولاء والخوف من الله نجده لن يقبل أن يكون أقل مستوى في المعيشة من الآخرين ولا يقبل أن يأكل أولاده الخبز والفول الذي يصرف له فقط ( لأن مرتبه لا يغطي سوى أجرة السكن وتوابعه). ثالثا:سوء اختيار القيادات الأمنية التي لا تفكر بأحوال الضابط والفرد مادياً ومعنوياً وتحسين أحواله من الاعتماد أو... وتربي فيه العزة وحب الوطن والخوف من الله ،ولكن هناك من القادة (الواصلين هم من أصحاب المصالح الخاصة، ومن المنتفعين بممارسة العمل الأمني،وليسوا من القيادات الوطنية القادرة على أن تتحمل المسئولية في فترات التحول التي يحتاج الوطن إليها، فالوطن بحاجة إلى جهود قيادات صادقة وبعيدة عن المكاسب الشخصية . رابعا:أثبتت الأيام أن شلة المنتفعين.. تتكون دائماً من مجموع من أصحاب المصالح تلتف حول القائد الأمني تقنعه بأن شلل المنتفعينٍ ووجودهم إلى جواره هو الضمانة لاستمراره ولنجاح هيبة الدولة بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً فهم أول من يسيئون إلى الأمن وينقلبون عليه ، إنهم لا يفكرون إلا في مصالحهم ولا يعنيهم الاستقرار،أو حتى بقاؤه أو خروجه من العمل، وغالباً ما تنتهي تلك الشلل وتتفسخ وهم أول من يتنكر للمسئول الأمني الذي التفوا حوله واستفادوا من قربهم منه ولذلك فهم يرون تحقيق مصالحهم فوق تحقيق الأمن وإن علاج ذلك هو تخليص الأمن من شلة الفاسدين الفاسقين المنتفعين المنافقين وهي خطوة مهمة من أجل الاستقرار والتنمية . خامسا: يجب أن يعلم من بيدهم القرار أن منتفعي الفساد قد حاربوا كل ضابط وقف ضد مصالحهم بعد أن فشلوا في سعيهم لجذبه إلى مستنقعهم بكل الإغراءات الممكنة حتى يتلوث مثلهم وتنكسر عينه فلا يفتحها في وجوههم ولا يملك منع فسادهم الذي أصبح جزءاً منه فشككوا في مقدراته وولائه، وقد سمع لمثل هؤلاء فتم عزل كثير من الضباط الشرفاء أو عزلوا أنفسهم بعد أن تركوا يصارعون الفساد وحدهم،وقد توجه الكثير من الشرفاء نحو الدراسة أو التدريس في الجامعات أو العمل في مجال القضاء أو تركوا العمل نهائياً ليمار سوا هواياتهم الرياضية. سادساً:لا يوجد في الشرطة جهاز رقابي قوي وقانون شديد رادع يمنع رجل الأمن من تجاوز حدود وظيفته وحدود القانون.(باعتبار أن فاقد الشيء لا يعطيه ومخالف القانون لا يمكن أن يحميه) والبداية لتحقيق الأمن والاستقرار لدولة المؤسسات هو سيادة النظام والقانون . سابعاً: عندما خالف رجال الشرطة القانون فسد الكثير من المواطنين،حيث ألقى الكثير منهم بكل الأخلاقيات والمبادئ والشهامة والقبيلة التي كانت حامية للأمن خلف ظهورهم وانظموا إلى منظومة الفساد فدفعوا الغالي والرخيص لشراء ذمم رجال الشرطة ، ورزقهم على الشيطان، لأن الله سبحانه وتعالى لا يشمل الفاسقين برحمته... عميد كلية الحقوق جامعة تعز