قديماً كان الملوك والسلاطين يقربون العلماء والأدباء إلى مجالسهم ، ويجزلون لهم العطايا ، ليس لأنهم سيمدحونهم ، بل لأن هؤلاء صناع وعي ، ورأي ، وأدوات نقل الخبرة والمعرفة. في بلادنا الفقيرة ظلت شرائح كثيرة في المجتمع تشعر أنها تستحق حالاً أفضل مما هي عليه وبين هؤلاء شريحة الأدباء والمثقفين لكن كثيراً من هؤلاء يعزون أنفسهم بأن شيخ الأدب اليمني والعربي عبدالله البردوني »رحمه الله« رحل من الدنيا من غير عقارات أو أرصدة .. ولم يأخذ معه سوى محبة ملايين اليمنيين والعرب الذين غاصت بهم العاصمة صنعاء وهم يشيعون جنازته إلى مثواه الأخير. أعلام الأدب اليمني كالشهيد الزبيري والبردوني ، والشحاري ،والحضراني ، وابن سحلول وعشرات آخرين لم يتذوقوا طعم الثراء ولا حتى كفاف العيش وقاسوا من الفقر والعوز بنفس قدر ما قاساه غيرهم من أبناء الشعب اليمني من جيل ما قبل الثورة .. لذلك ظل اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين مظلة لكل الذين يحملون قيم الانسانية النبيلة ويتحسسون أوجاع الواقع المرير، وهو ما يفسر الدور المثير للإعجاب الذي لعبه الاتحاد على طريق الوحدة اليمنية، وحتى في الدفاع عن الوحدة. قبل أسبوعين بالضبط سجل الرئيس/ علي عبدالله صالح، حدثاً تاريخياً بالنسبة للأدباء بالإعلان عن مكرمته العظيمة التي تضمنت توزيع الأراضي السكنية على أعضاء الاتحاد ، وتخفيض أسعار تذاكر الطيران بنسبة %50 وتخصيص مبنى تاريخي كمقر للاتحاد يليق بمكانته وأدواره، وإعادة المقرات التابعة للاتحاد في محافظة عدن، والتوجيه لمحافظها بالتنفيذ الفوري .. إلى جانب اعتماد شراء مطبعة خاصة بالاتحاد. كما شملت توجيهات رئيس الجمهورية اعتماد مقر لمكتب ثقافة الطفل العربي وتخصيص ميزانية له من أجل تفعيل ثقافة الطفل وتعزيز سبل رعايته. إن هذه المكرمة تمثل ارفع تكريم يحصل عليه أدباء على الصعيد العربي كله ، مثلما يترجم أول التفاتة للأدباء من قبل نظام سياسي على مر التاريخ.. ومثلما قال لي الأخ الأديب محمد الغربي عمران » إن الأدباء لم يعز كرامتهم أحد مثلما اعزها الرئيس/علي عبدالله صالح.. كما لم يحظو برعاية من أحد مثلما حظوا على رعاية الرئيس الصالح«! والمكرمة الرئاسية تمثل من جهة أخرى لوناً من ألوان تعزيز حريات الرأي والتعبير، ونصراً عظيماً للقلم على كل فوهات العنف .. فالقيادة السياسية ومن واقع خبراتها الطويلة وبعد نظرها تدرك جيداً ان تحديات هذا العصر هي في جوهرها تحديات ثقافية وليست عسكرية كما يخيل للبعض.. وان الخطر الذي بات يهدد كل المجتمعات العربية هو خطر القصور في الوعي الثقافي وليس نقص التدريب العسكري أو ضعف مخزون ترسانة السلاح.. وبالتالي ليس من المنطق بشيء ردع هذه المخاطر بدبابات أو طائرات حربية بقدر ما يصبح الرهان على »جيش« المثقفين من حملة الأقلام لمواجهة التحدي بنفس جنس سلاحه. لاشك ان أدباءنا ومثقفينا يستحقون الكثير جداً باعتبارهم صناع وعي الأجيال وبناة حصانتهم الثقافية .. وللأسف كان إهمال هذه الشريحة لحقب ماضية سبباً في تحويل تفكيرهم من البذل والعطاء للوطن إلى الهموم الشخصية المتعلقة بتدبير لقمة العيش .. ومن هنا تولدت في مجتمعاتنا فجوة وفراغ استطاعت بعض القوى المتشددة إشغاله بأفكارها غير السوية وجر أوطاننا إلى صراعات نحن في أشد الغنى عنها. اليوم استطيع ان اجزم ان مزيداً من الاهتمام بشريحة الأدباء والمثقفين يمكن ان تعيد التوازن لساحة الوعي العربي .. ولعل مبادرة الأخ رئيس الجمهورية هي خطوة في غاية الأهمية لبناء »الجيش« الحقيقي الذي يحفظ الوطن ويدافع عنه بالوعي والمعرفة النظيفة وبالايمان بقيم المجتمع وعقائده وثروته الحضارية.