يوماً بعد آخر تفرض مسألة التكتلات الإقليمية نفسها أكثر من أي وقت سابق، ليس ذلك من أجل مصالح تنموية فقط، بل أيضاً مصالح أمنية لا غنى لأي بلد في المنطقة عنها. تفيد آخر المعلومات التي كشفتها وزارة الداخلية اليمنية ان مواطنين عرباً متورطون في حادث مأرب الإرهابي.. وان أجهزتها اشتبكت الأربعاء مع مواطن مصري يدعى«أحمد بسيوني» وقد قتل خلال الاشتباك.. وهذا الشخص كان بحوزته أسلحة ومتفجرات، وجوازات سفر عديدة، وبطائق والعديد من الأشياء التي يستعين بها في تدريب الإرهابيين. وهنا ينبغي التأمل ملياً في الواقعة.. فالرجل مصري الجنسية قدم إلى اليمن ليدبر على أراضيها مخطط العملية الإرهابية في مأرب.. كما انه يقوم بتجنيد الإرهابيين وإرسالهم إلى العراق لينفذوا عمليات مماثلة بالأسلوب، والوحشية التي يسفك بها دماء المدنيين الابرياء.. ومع انه يتخذ من كلمة «الجهاد» عنواناً لنشاطه، إلا ان حادث مأرب كشف عن أي نوع من «الجهاد» يمارس هؤلاء السفاحون إذ انه لا يختلف بشيء عن صنعة مصاصي الدماء، وأكلة لحوم البشر. الإرهابي «أحمد بسيوني» أثبت للجميع ان حملة الافكار الدموية لا تتبدل أفكارهم بتبدل المكان الجغرافي، بل ان الاعتقاد بإمكانية احترام الضيف للبلد المضيف يمثل أهم العوامل التي تساعد الإرهابيين على تنفيذ مخططاتهم الإجرامية، كون تلك النظرة «الاخلاقية» المتأصلة في شعوبنا- وخصوصاً اليمن - حّولها الإرهابيون إلى مظلة ينشطون تحت شعاراتها مثلما اتخذوا من الدين مظلة لإخفاء نواياهم الشريرة .. فمن يتقنع بالدين، ويتجاهل غضب الرب عليه، لن يتوانى عن سحق قيم وأعراف البلد المضيف بقدميه. وما دام الإرهاب يعمل بهذا الأسلوب، ويعبر حدود البلدان ليرتكب جرائمه في أية مدينة تحلو له، بات حقاً على الجميع مواجهته بنفس الأسلوب، والنظر إلى كل إقليم على انه جبهة واحدة، وخندق واحد بمواجهة عدو واحد.. لتصبح اليمن ودول الخليج العربي بما فيها العراق حلفاً واحد، ينسق خططه، وبرامجه الدفاعية، انطلاقاً من فكرة ان «أحمد بسيوني» المصري دبر فعله الإرهابي في اليمن وبعث شياطينه لتفجر في العراق، وطال بعملياته سياحاً أسبان، فلا شيء يشفع لأحد للنجاة من إرهابه الدموي لا اختلاف الجنسية، ولا الدين، ولا اللغة، ولا المكان .. فكل البشر مهدور دمهم في دستور الإرهاب. لا شك ان «بسيوني» لم يكن النسخة الوحيدة الموجودة في العالم فمازالت نسخاً منه في العراق، ودول الخليج، ومصر وأوروبا وأمريكا وأماكن كثيرة في العالم.. وإذا كنا أدركنا هذه الحقيقة في اليمن مبكراً، وبادرت القيادة السياسية اليمنية لإعلان شراكتها في الحرب الدولية على الإرهاب، فإن ذلك لا يلغي أولويات الشراكة بقدر ما يؤكد على أهمية ايجاد شراكة اقليمية في الحرب على الإرهاب. ففي الأعوام القليلة الماضية كان التعاون العالي بين اليمن والسعودية أولاً، ثم بينها وبين بقية دول الخليج العربي هو القاعدة الأساس التي انطلقت منها الضربات القاصمة لظهر الجماعات الإرهابية، بل أيضاً للتغلب على الكثير جداً من التحديات الأمنية الخطرة التي كانت تواجهها كل دولة منها. لكن على مدى التاريخ لم يكن العراق خارج هذه الدائرة ولم يكن بوسع أية حكومة رسم سياساتها الخارجية من غير وضع العراق في حساباتها سواء كان العراق قوياً أم ضعيفاً لذلك انفلات هذه الحلقة من منظومة التنسيق اليمني الخليجي انعكس سلباً على الجميع وهذا الاثر كان متوقعاً من قبل قيادات دول المنطقة لكن لا أحد يمتلك الحل في ظل وجود الاحتلال.. ! بتقديري أن حادث مأرب يفرض على اليمن ودول الخليج والمجتمع الدولي العودة مجدداً إلى طاولة البحث عن مخرج مناسب يعيد التوازن إلى المنطقة، فما لم يتوصل الجميع إلى آلية معينة لحل المسألة العراقية، وإعادة الاستقرار إليها فإن الجميع سيبقى معرضاً للخطر.. فمنظومة اليمن والخليج والعراق دائرة واحدة، منذ فجر التاريخ، وأي انفلات لإحدى حلقاتها ينجر على كل الحلقات الباقي