لاشيء يقهر خصمك غير نجاحك، لكنك إذا ماقررت تجاوز النجاح إلى التميز فإنك بلا شك ستقضي عليه نهائياً.. لذلك يزداد الخصم شراسة حين يجدك محبطاً بعد صولته الأولى.. وماينطبق على الأفراد ينطبق على الدول! مساء الإثنين كانت وزارة السياحة ترد الصاع صاعين لقوى الإرهاب التي استهدفت صناعتها، ولم يبق أحد في شوارع صنعاء إلاّ وغمره الزهو بذلك الكرنفال الفني المهيب الذي انطلق من «العرضي» إلى ساحة التحرير ليطرز القلوب بألوان الفرح، وليؤكد للعالم: إن صنعاء وكل مدن اليمن ستبقى وطن السلام، والأفراح، ومتعة التاريخ التي لايسأم منها أحد.. لقد دشنت وزارة السياحة مهرجان صيف صنعاء السياحي بعد أسبوعين فقط من الحادث الإرهابي في مأرب، وهذا التوقيت بحد ذاته يمثل تحدياً كبيراً ورداً قوياً نشد على يدي معالي الوزير عليه، فليس من شيء يقهر هذه العصابات الإجرامية غير الإنجاز الناجح، والخطوات التي نخطوها إلى الأمام، فلا وقت عندنا للأحزان، ولطم الخدود، والغرق في الحسابات المقلقة. مهما جنت اليمن من الاستثمارات النفطية، والصناعية، والتنموية المختلفة فإن الرهان على السياحة هو المستقبل الحقيقي الذي ينبغي تكريس كل الجهد لأجله.. وقد اعتاد المختصون وصف الترويج للسياحة بأنه «فن»، كونه قضية خلق إبداعي يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة الابتكار.. ومن هنا أصبح فن الترويج قضية مكلفة جداً لأن الإبداع صنعة نادرة غير متاح للجميع إتيانها. بتقديري كان الكرنفال الفني عملاً إبداعياً، ليس لأنه يروّج لمنطقة معينة، أو فلكلور ثقافي وفني جميل، بل لأنه صنع طقوساً فرائحية، توحي بمناخات آمنة تسود البلد، وهي الأسلوب الأمثل للترويج.. فالسائح الوافد على اليمن يضع في حساباته أنه مقيد بجدول زمني، لذلك يحرص على استثمار كل دقيقة من وقته بالاستمتاع.. ومادام بلدنا يخلو من الملاهي والمراقص الليلية، والبارات، والسينما، وغيرها مما اعتاد السائح عليها في بلده أو في بلدان أخرى غيراليمن، فإن تنظيم الكرنفالات والأمسيات الفرائحية في الهواء الطلق كفيلة بالتعويض، وبتحويل اليمن إلى مسرح مفتوح للاستمتاع بساعات الليل. ربما هو إعجابنا بالفكرة التي ترجمها كرنفال الاثنين يدفعنا للتفكير لو أننا بوسعنا تعميم مثل هذه الممارسات على مختلف المدن اليمنية، وتشجيع المراكز الثقافية والفنية فيها لإحياء فعاليات فنية يومية في الهواء الطلق لتصبح موضع جذب آخر يوازي الجاذبية المكانية. من جهة أخرى، لقد لفت انتباهي أن معبد أوام في مأرب، والعديد من المواقع الأثرية الأخرى تخلو من أكشاك أو بوفيات قريبة من المكان، وتساءلت مع نفسي: ما الذي يضير وزارة السياحة لو أنشأت أكشاكاً نموذجية ووزعتها على تلك المناطق، وأجّرتها للراغبين.. فهناك عدة منافع منها: الأولى توفير خدمات للسياح تلبي احتياجاتهم، والثانية: كمجال يوفر فرص عمل لأعداد معينة من الشباب.. والثلاثة - وهي الأهم - ليكون أصحاب هذه الأماكن أعيناً قادرة على تمييز أي غريب متسلل إلى المنطقة بقصد التربص بها سوءاً.. فالذي يعمل في مكان ثابت يصبح لديه معرفة عالية بالوجوه التي تتردد على المنطقة التي هو فيها. وعلى كل حال، فإن صيف صنعاء السياحي انطلق بقوة، وهناك فعاليات ستستمر لأكثر من شهر، وهي فرصة للجميع لأصطحاب أسرهم إليها للترويح عن النفس، خاصة مع العطلة الصيفية، وكذلك لاستكشاف عالم جديد مليء بالفرح قد يخفف كثيراً من عبء الحياة.