ليس بمنطق الهزيمة والنصر تؤخذ أمور السياسة ومزاولتها.. والأصح هو أن الشراكة والشراكة وحدها تحكم العملية الديمقراطية،و يفترض أن لايكون التنافس معادلاً التنابز والإقصاء.. بل وجهاً آخر للتعاون وتنويع خيارات الفعل وامكانات الاختيار أمام الجمهور الناخب. الحق أن«توم» و«جيري» كوميديا كارتونية رائعة.. وهي فوق ذلك عبثية وهزلية إلى حد بعيد،و إذا كان في وسع المرء التمتع بمشاهدة حلقاتها فلأنه يبحث عن الفكاهة والمتعة.. وربما عن«النسيان» أيضاً، لمجمل هموم ومصاعب الحياة اليومية الضاغطة. لكن صراع العزيزين«توم» و«جيري» لايصلح للاستنساخ أو الاقتداء به في مجال السياسة والاوساط الحزبية،و إن كان البعض من هؤلاء يفضل اعادة الاداء وتمثيل الأدوار والمقالب على واقع عمله ومناوراته اليومية المجهدة والتبديدية. في أحايين كثيرة يختلط الأمر على فرقاء النص السياسي، فلايميزون بين هذا وبين النص الكوميدي في حلقات «توم» و«جيري». ولمطالما أعتقد أحدهم أنه مؤهل للعب دور«القط» فيتصرف وكأنه كذلك بالفعل،و لايدري إلا وقد قادته اللعبة الدرامية إلى مصائد قط آخر وأكبر كان يتصرف من زاويته الخاصة وكأن الأول «فأر» لاغير! سوف يرهق الحزبيون والسياسيون أنفسهم طويلاً وهم يؤدون النص السياسي واليومي على هذه الكيفية والشاكلة.. ومالم يرتقوا بأنفسهم وتصوراتهم إلى مستوى يليق بهم وبنا،و يغادرون دائرة العبث الكارتوني والدراما الهزلية الموجهة للصغار لاغير، فإنهم لن يفيدوا في شيء،ولن يستفيدوا أويستفاد منهم شيئ ذو بال ومعنى. فلاهم الذين أمتعوا صغارنا مجاناً كما «توم» و«جيري»،و لاهم الذين رحموا الكبار وأقنعونا بأننا نتعامل مع «كبار» لامع النسخة المجسمة من بطلي المسلسل الكارتوني إياه! التنافس لايعني الصراع.. والاحزاب ليست ممثلين.. وأخيراً المجتمع ليس حلقة متلفزة والجمهور ليس راغباً في اللهو أو الهروب من واقعه ومشاكله إلى مشاكل مضحكة كالتي في مسلسلات الصغار. المجتمع يبحث عن حلول ولايرغب في التخلي عن موقعه كحكم وصاحب أحقية في تقدير فلان والانصراف عن غيره، بناءً على عوامل وشروط موضوعية لايجهلها الناس ولايهملها المواطن الحكم عند صندوق الانتخاب. دعوا« توم» و«جيري» على حالهما يمتعان صغارنا.. وأنتم كونوا كباراً وافعلوا مايليق بكم. وإن كان ولابد فإن المسئولية إذاً توجب عليكم الكف عن متابعة المسلسل الكارتوني الشهير. شكراً لأنكم تبتسمون.