هناك حقوق طبيعية موهوبة للفرد كحق الحياة وهناك حقوق مكتسبة كالأجر الذي يتلقاه الموظف على عمله..ومع أنها لاتمنح للفرد مالم يؤدّ واجبه أولاً،إلا أننا مازلنا نجهل هذه الثقافة.. في جميع مؤسساتنا هناك من يتذمر،ومن هو مدمن على الشكوى من كل شيء ابتداءً برئيسه في العمل،ثم المرتب الذي يتقاضاه،وانتهاءً بالكرسي الذي يجلس عليه..لكن قليلون هم الذين يسألون أنفسهم فيما إذا أدوا مسئولياتهم الوظيفية على نحو سليم أم لا..وكم هي ساعات العمل الفعلية التي اشتغلوها..وكم أنجزوا خلالها!؟وعندما تسأل أحدهم بهذا الشأن يرد عليك بالقول:كم هو المرتب لأقتل نفسي في العمل!؟. في كثير من مؤسساتنا الحكومية ترسخت ثقافة أن المرتب هو حق طبيعي موهوب للموظف،ولا يحق لجهة العمل الخصم منه في حال الغياب،لدرجة أن بعض الزملاء الصحافيين في إحدى صحف الدولة ثاروا على رئيس التحرير مطالبين بأجور إضافية «نتاج فكري» مقابل الأخبار التي قدموها رغم أن رصيد كل واحد منهم لايتجاوز الستة أو الثمانية الأخبار طوال الشهر...وللأسف رفض الزملاء الاقتناع بأن المرتب مقابل ما قدموه. ولكن المشكلة قد لاتكون من صنع الموظف نفسه،بل تصنعها الفروقات التي تمنح للوظائف المماثلة. فمن الصعب القبول بفارق الأجر بمجرد الانتقال من محافظة إلى أخرى،أو من وزارة إلى أخرى كما هو الحال مع أساتذة الجامعات في جامعة صنعاء ونظرائهم في جامعات تعز،وذمار،وحضرموت وغيرها.. المسئوليات الملقاة على عاتق الموظف هي أمانة بوسعه صونها أو خيانتها،وبالتالي فإن الأجر المتفق عليه في بداية التعيين هو عقد اتفاق شرعي لاينبغي التذرع بقلته للتنصل من المسئوليات والواجبات..أو لأخذ الرشوة،وللفساد الوظيفي..لأن أي تقصير من هذا النوع سينعكس على مصالح آخرين،ويضرّ بها.. فساد القلم يعني فساد ثقافة المجتمع،وتقصير المعلم في الفصل يعني تجهيل جيل كامل،وتقاعس موظف عن إنجاز معاملات المراجعين يعني حرمانهم من لقمة خبز،أو فرصة عمل،أو تكبيدهم خسائر هم أحق بإنفاقها على أسرهم...وأحياناً يتحول فساد العمل إلى مسألة حياة أو موت حين يصيب ذلك الفساد الرعاية الصحية للمواطن كما هو حاصل اليوم. نحن دائماً نطالب بحقوقنا من الدولة،ونتظاهر ونعتصم لأجل حقوقنا،ولكن ليس هناك من يتظاهر لأجل الحق العام عندما نكون نحن المقصرين والمسيئين لحقوق عامة الناس..فكم من مسيرات خرجت تطالب بحقوق المعلمين لكن ليس هناك صوت واحد ارتفع احتجاجاً على استهتار معلم بوظيفته أو استغلاله الوظيفة في التعبئة الحزبية..وكم مشينا خلف القيادات الحزبية في الشوارع رافعين اللافتات الحقوقية لكننا لم نفكر يوماً بالتظاهر احتجاجاً على استهتار الاحزاب بنا واتخاذها قضايانا رهاناً رخيصاً للمساومة..ولم نتظاهر احتجاجاً على من يعبث بالديمقراطية ويستخدمها مظلة لفساده..ولم نتظاهر ضد من يرفع شعارات انفصالية..ولم نحتج على منظمات حقوقية لم تذرف دمعة على أبناء الفئات المهمشة «الأخدام » بينما تنوح الليل والنهار من أجل إيقاف سيارة نائب بالمعارضة عند نقطة تفتيش عن السلاح..فمتى نفكر بالمسئوليات أسوة بالحقوق!؟