يقول جلال الدين الرومي : «كآدم وحواء يتوالد الحب في الآف الأشكال، ويُعمّر العالم بآياته .. تلك التي لا شكل لها ولا هيئة.. تلك التي لا شكل لها ولكنها بالآف الأشكال». العالم مشدودٌ بهذه الحقيقة الكلية .. بتلك الطاقة الأزلية التي تجذبنا إلى مرابعها من خلال الأسباب والمسببات .. الحالات والتقلبات.. الإمكان والمستحيل. تلك الأقوال والمقامات.. الحيرة والتقلبات.. البوح والغموض.. الجهر والسكوت، كانت ديدن المتصوفة أمثال رابعة العدوية وحسين بن منصور الحلاج،وأبي يزيد البسطامي، والسهروردي المقتول، وفريد الدين العطار، والغزالي وآخرون كثيرون. إن كل فرد يحمل في دواخله طاقة الحب حتى أن هذه الطاقة تمثل القانون الأسمى للوجود. إنها الجاذبية التي تشد هذا لذاك، وتحمل في طياتها قيماً نبيلة، وتظهر حالة التماهي والتواشج بين الثنائيات، فالحب هو المعادل المطلق للثنائيات والتعدديات، إنه التعبير عن وحدة المخلوقات والوجود. إن وحدة الروحين والجسدين تؤدي إلى أن يكون كل طرف حالة خلاقة وبطريقته الخاصة، وكل هذا ما كان له أن يكون لولا تلك النفحة الإلهية السابقة على الوجود والسلوك. المحبة إيجابية بالضرورة.. إنها تحتضن الكل دونما تمييز، وهي وحيدة متفردة حتى وإن تداعت مع التنوع والكثرة، إنها تتحلَّى بالصفاء والوهج بقدر ابتعادها عن الغضب والشراسة والكراهية. جلال الدين الرومي هو أحد أهم مؤلفي المقطوعات الموسيقية التي أثرت إلى حد كبير على الموسيقى الشرقية والحال فإن رؤيته تجاه الموسيقى تنطلق من فكرة وحدة الوجود وترى أن العالم مموسق ومحكوم بتلك النواميس التي أودعها الحق في موجوداته، فالحياة تستقيم على الموسيقى ولا مفر لها من الانسياب مع معطياتها. هذه الرؤية كان لها حضور في الشرق والغرب معاً، يقول الرومي:«الإنسان وتر بيد الخالق» ويقول:« كم نسعد عندما نعرف بأي أيادٍ نتموضع» بأن الحب والعدل والتصالح مع الذات هي القيم الإلهية التي تحدد هويتنا. يقول أيضاً: الإنسان قبل الحب جاءه طرق بالباب يأتيه صوت الحب ويسأله: من هناك؟ يجيب: أنا يرد عليه الصوت: ليس هنا مكان ل «أنا» و«أنت» ، وينغلق الباب بصرامة . بعد عام من الوحدة والحزن يُطرق الباب مجدداً فيأتيه صوت ويسأله: من هناك ؟ فيقول: أنت!! ، وهنا ينفتح الباب على مصراعيه!!”