مازال الغرب يروي القصص تلو القصص عن دعاة حماية حقوق الانسان حتى يظن المرء أن الممثلة «بريجيت باردو» من كثرة رعايتها للحيوانات، ودفاعها عن حقوقها قد تسبق «أبا هريرة» إلى الجنة. لدعاة حقوق الانسان علاقة حميمة مع القطط والكلاب التي يرون أنها أفضل واجهة دعائية لما يرددون من شعارات.. فأخبار قلق السيد جورج دبليو بوش من الوعكة الصحية التي أصابت كلبته المدللة كانت كفيلة بتضليل العالم عن واحدة من أبشع المجازر الأمريكية في الموصل العراقية.. ومع هذا فإن القدر لم ينتصر للعدالة الانسانية - كما هو شائع - إذ ماتت الكلبة المدللة وظل «بوش» على قيد الحياة يحدث العالم عن حقوق الانسان والحيوان وحتى الطفيليات. القصص الكثيرة التي يرويها العالم الغربي عن البطولات الخارقة لدعاة حقوق الإنسان . تقابلها قصص أخرى ترويها شوارع نيويورك وبقية المدن الأمريكية، لمدن تحت رحمة «السود» لاتساوي فيها حياة البشر أكثر من ثمن رصاصة واحدة.. نساء يغتصبن في الشوارع في وضح النهار.. والمشردون يملأون الأرصفة.. فيما ظلت تجارة المخدرات والجنس والأسلحة هي الأكثر رواجاً في السوق الأمريكي.. ومع هذا فإن الخارجية الأمريكية تنفرد بإصدار تقرير سنوي حول حقوق الإنسان في العالم، ومنظماتها هي الأكثر شهرة تحت شعار «تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات».. في اليمن أصبحت مظلة الحقوق الانسانية هي الأكثر شهرة التي يدخلها كل من هب ودب.. وبمراجعة سريعة سنكتشف أن قسماً كبيراً من دعاة الحقوق في اليمن هم الأبعد عن معرفتها حتى داخل بيوتهم، أو في علاقاتهم الشخصية.. لذلك فإن العديد من الأخوات المتحدثات في المجال الحقوقي فشلن في حياتهن الزوجية، لأنهن انشغلن في الدفاع عن حقوق الآخرين لدى الجهات الحكومية ونسين حقوق بيوتهن، وأزواجهن، وأبنائهن..! هذه الظواهر تتكرر في الكثير من البلدان ذات التوجهات الديمقراطية ليس لجهل في أصول العمل المدني الحقوقي، بل لأن القوى الانتهازية وجدت في قضايا حقوق الانسان مظلات آمنة لممارسة أنشطتها.. ولا غرابة إن تناقلت «الدايلي تلغراف» خبر اكتشاف أن إحدى منظمات الدفاع عن حقوق العجزة والمسنين وراء أضخم شبكة تجارة مخدرات في فلورنسا..! في ظل عصر الحقوق الانسانية الذي تزعمه البيت الأبيض أصبح من السهل عليك أن تقتل وتخرج مثل الشعرة من العجين مادامت هناك منظمات ستتبنى الادعاء بأنك كنت أقل من خمسة عشر عاماً.. أما إذا كنت موظفاً فاسداً فإنك من السهل عليك الحفاظ على وظيفتك حتى لو صدر أمر فصلك بتوقيع رئيس الحكومة.. إذ أن هناك منظمات حقوقية قادرة على تبني الدفاع عنك، والادعاء بأنك من حزب معارض أو كنت موظفاً مناهضاً للفساد الحكومي لذلك طردتك الحكومة.. وليس من شيء بدون مقابل في هذا الزمن..! لو تأملنا في بعض الملفات الحقوقية المتداولة حالياً لوجدنا أن تطور ثقافة مؤسسات الدولة كانت هي الأصل فيما يحدث من تطور في حقوق الانسان.. ومهما تحاول المنظمات أن تستعرض عضلاتها فإنها لن تتعدى حدود الخدمات المدفوعة الأجر لصالح هذه الجهة أو تلك - سواء كانت خارجية - أم محلية.. فحقوق الانسان بمثابة ثقافة وقيم أخلاقية تتهذب عليها النفوس بشكل دائم، ولاتتغير بتغير المكان أو الزمان أو القضية.. فليس من الحق أن يدعي أحدنا رعايته لحقوق القطط والكلاب في نفس الوقت الذي يقتل ويعذب البشر بكل سهولة وفي كل حين.. وليس من المنطق أن تدعي إحدى السيدات أنها تدافع عن حقوق الآخرين بينما هي تنتهك حقوق بيتها وزوجها وأطفالها.. فذلك قمة في النفاق، والسمسرة تحت عنوان حقوق الانسان.