ا لكاتب والباحث الموريتاني محمد محمد أحضانا تنكب مشقة كبيرة وهو يبحر في زمن اللامعقول ويتحدث مع الغيوب والماورائيات ويحاول البحث عن خيط رفيع يربط بين المعقول وما يتجاوزه . في كتابه الهام “ معقول اللامعقول في الوعي الشعبي العربي “ وقف محمد أحضانا أمام سلسلة من الظواهر والموروثات الشعبية الموريتانية غائصاً في مفرداتها التفصيلية، ومقدماً بياناً تعريفياً شاملاً لتلك المفردات التي تنوعت وشملت الموسيقى والرقص والإنشاد وقراءة المكتوب باستخدام الشعوذة وفنون الموروثات المرتبطة بها كضرب الودع وقراءة الكف والكتابة على الرمل وغيرها من صنوف وهيئات تريد الابحار في المجهول أو غير المعلوم . وفي السياق ذاته وقف الباحث امام المزاج الشعبي المرتبط بالشؤم أو اليُمن “ بضم الميم “ مُجلياً الأبعاد العقلية والنفعية لبعض تلك الظواهر التي تشبه الميتافيزيقا وليست كذلك .. مثالها: اعتبار حيوان القنفذ الشوكي من حيوانات اليُمن لا الشؤم وتفسير ذلك: أن القنفذ الشوكي يقوم بدور مهم في حماية القرى الفلاحية وسكان البراري من لدغ الثعابين لانه حالما يرى الثعبان ينقض عليه ويمسكه من رأسه .. فيقوم الثعبان بالالتفاف على القنفذ المُغطّى بالشوك الحاد ضارباً بذيله الطويل في جسم القنفذ فينزف الثعبان حتى يصل إلى الوهن التام ثم الموت . وعلى ذات المنوال يواصل الباحث تتبع الظواهر والحيوانات التي تعتبر مُجلبة للشؤم أو السعد ويفسر ذلك تفسيراً عقلانياً .. كما أنه يتتبع السيناريوهات الذهنية لضاربات الفأل مُحاولاً إخضاع تلك السيناريوهات لنوع من استدراج الضحية “ طالب قراءة الغيب “ حيث تقوم ضاربة الفأل بتوجيه أسئلة محددة إليه تتبعها باستنتاجات دلالية وراء كل سؤال حتى تصل إلى المعلومات التي تقربها من معرفة الخلفيات المفيدة لطالب الفأل . . ثم تشرع في بناء رؤيتها لمستقبله . لكن الباحث لا يوصل إلى قناعات محددة في هذا الجانب بل يترك الأمر مفتوحاً لحيرة القارىء وتساؤلاته .. وهكذا يفعل أيضاً وهو يتتبع فن ضرب الودع الذي يخضع لمتواليات شكلية، حيث ينتضم الودع في أشكال تلقائية عند كل رمية .. ولكل هيئة أو شكل من تلك الأشكال تفسيرات معينة أشبه ماتكون بالقاموس المفهومي الذي يتوارثه أصحاب الودع سالفاً عن سالف وللحديث صلة.