في العالم كله، باستثناء عالمنا النائم، تجرى الانتخابات بشكل منتظم، ويتم تداول السلطة بشكل سلمي ودون ضجيج، على الرغم من أن الحملات الانتخابية تكون في الغالب ساخنة وحادة لدرجة أن البعض منا يعتقد أن حرباً ستقوم إذا ما خسر فريق أو حزب ما ولم يفز بالسلطة.. لهذا فإن بلدان العالم التي تشهد انتخابات حقيقية تختفي فيها مظاهر التمسك بالسلطة، كما تختفي فيها مظاهر الاحتجاج على فوز الخصوم، أياً كان هؤلاء الخصوم، طالما ارتضى الجميع الديمقراطية والتنافس السلمي كوسيلة للوصول إلى السلطة. من هنا فإن الإقرار بالهزيمة في الانتخابات صار جزءاً من الفلسفة الحياتية للناس في هذه الدول، فأنت لا تجد حزباً معارضاً في اسبانيا أو فرنسا أو هولندا مثلاً يعترض على نتائج الانتخابات، بل على العكس تجد أنه أول المعترفين بفشله وفوز خصمه في الانتخابات، ولا يشكك في الانتخابات ويقول إنها انتخابات "مزورة" كما أن الحزب الحاكم لا يتمسك بالسلطة، ويعترف بفشله فيما إذا أخفق في الانتخابات ولا يطبق مقولة: "أنا ودوني الطوفان!!". العرب وحدهم وجزء كبير من العالم النامي أو كما يحلو للبعض تسميته "العالم النائم" هم من يعترضون على نتائج الانتخابات، لأنهم يعرفون في الأساس أن الحاكم لا يقبل بأن يتنازل عن الحكم فالحاكم يشعر أنه لن يعود إلى الحكم مرة أخرى، ولهذا فإنه يحاول قدر الإمكان البقاء في السلطة ولو استخدم كافة الوسائل الممكنة لبقائه فترة طويلة. إذن فإن الإقرار بالهزيمة ليس تقليداً عربياً بالمطلق، ذلك أن معظم الدول العربية لا تعرف شيئاً اسمه "الانتخابات" ولا تعترف بمبدأ التداول السلمي للسلطة؛ إذ أنها تكرس مبدأ التمسك بالسلطة عوضاً عن تداولها. ولهذا فإننا لم ولن نشهد حزباً عربياً حاكماً يعترف ويقر بأن المعارضة لحكمه فازت في الانتخابات وأنها ستشكل الحكومة التي تعبر عنها. نحن بحاجة إلى تغيير مفاهيمنا عن الحكم وطريقة إدارته، فهناك أحزاب وأشخاص ويرفضون الإقرار بالتغيير كإحدى سنن الحياة، ولهذا فإن جيوشاً من المتمصلحين يتشكلون عبر هذه السنوات ويتحولون إلى حاجز بين الحكام والتغيير المنشود، وهؤلاء هم أخطر من الحكام أنفسهم. هؤلاء هم نكبتنا الأساس، فالذين يرفضون مبدأ التغيير هم أنفسهم من يصورون للحاكم أن الإقرار بالهزيمة يعني خروجهم من التأريخ، والإقرار بالهزيمة تتحول لدى الحاكم إلى عقدة نفسية لا يريدون لها أن تستوطن عقولهم. من هنا فإن مصطلح "الإقرار بالهزيمة" لا نعرفه في العالم العربي، ولا يعرفه العالم النائم من حولنا، ومع ذلك فنحن لانزال نتساءل: "لماذا الغرب متقدمون علينا؟!". إذ أن هذه النقطة وحدها تكفي لمعرفة الإجابة عن هكذا تساؤل.