تعد الصحة حقاً أساسياً من حقوق الإنسان لا غنى عنها من أجل التمتع بحقوق الإنسان الأخرى، ويحق لكل إنسان أن يتمتع بأعلى مستوى من الصحة بما يمكنه من العيش بكرامة . وحق الإنسان في الصحة مسلم به في العديد من القوانين الدولية: فالفقرة (1) من المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته ويشمل المأكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية.. وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أشمل مادة تتعلق بالحق في الصحة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ووفقاً للمادة (12) من العهد تقر الدول الأطراف «بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه». ويشمل الحق في الصحة بجميع أشكاله وعلى جميع المستويات العناصر التالية: 1 - أن توفر الدولة القدر الكافي من المرافق العاملة المعنية بالصحة العامة والرعاية الصحية، وتلتزم الدولة ممثلة بوزارة الصحة بالاشراف على المهنيين المدربين والمرافق الصحية والعقاقير الأساسية وفقاً لتعريفها لدى الجهات المعنية بالعقاقير. 2 - ينبغي أن يتمتع الجميع بإمكانية الاستفادة من المرافق والسلع والخدمات الطبية المرتبطة بالصحة العامة وينبغي أن تكون المرافق والخدمات الطبية في المتناول المادي والآمن للجميع. 3 - إن جميع المرافق والسلع والخدمات الطبية ينبغي أن تراعي الأخلاق الطبية بشكل يرفع مستوى الحالة الصحية للأفراد المعنيين. 4 - ينبغي أن تكون العقاقير مناسبة علمياً وطبياً وذات نوعية جيدة، ويتطلب ذلك موظفين طبيين ماهرين وعقاقير معتمدة علمياً ولم تنته مدة صلاحيتها. بعد هذه المقدمة أنتقل إلى الموضوع وهو المتعلق بقضية الحجامة والتي أصبحت تشكل ظاهرة مقلقة، حيث نجد إعلاناتها في المساجد والشوارع ولافتات على شرفات البيوت تدعو إلى الحجامة، بل إن مستشفى كمستشفى الأم فتح قسماً للحجامة، فعندما تلج إلى مستشفى متخصص بالولادة وأمراض النساء يقابلك إعلان كبير مكتوباً عليه: ففي الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والفصد» ورحم الله ابن القيم إذ قال «هذه أسرار وحقائق إنما يقدرها من حسن فهمه ولطف ذهنه وعزز علمه وعلم ما عند الناس، والأمراض التي تعالجها الحجامة بإذن الله: النقرس - خشونة الركبة- آلام الظهر - الدوسنتاريا - الامساك المزمن - الحكة - الاسهال - التهاب المثانة - القرح - الدمامل - الدوالي - السكر - أمراض العيون - أمراض القلب - الشلل الكلي - كثرة النوم - أمراض الرئة. والسؤال الذي يطرح نفسه أين وزارة الصحة من كل ذلك، هل فعلاً ثبت علمياً أن الحجامة تعالج كل هذه الأمراض، أم أنها تكون سبباً رئيساً في نقل فيروس الكبد والأمراض المعدية؟ الأمر الثاني أنني كنت في زيارة لأكبر صيدلية في أمانة العاصمة صنعاء وتقع أمام المستشفى الجمهوري وطلبت علاجاً وفق وصفة للطبيب فناولني علاجاً انتهت صلاحيته في يناير 2008م وعندما أشرت إلى انتهاء صلاحية العلاج قال لي هذا المتوفر واحمد الله أنني أعطيتك ثلاث علب لأنه ممنوع.. ما رأي وزير الصحة، هل صحة الناس بهذا الرخص وبهذا الاستهتار؟ وأين هو حق المواطن في الصحة؟ أليس من واجب وزارة الصحة أن تقوم بمسح شامل لكل الصيدليات والعيادات والمصحات والمختبرات وغيرها للتأكد من مدى مطابقتها للشروط والمواصفات المعيارية التي تقوم عليها الخدمة الطبية. ينبغي على وزارة الصحة ومعها الشركات المتخصصة أن تلتزما بالعمل على توريد الأدوية ذات الجودة العالية ومن مصادرها الموثوقة ووضع السعر عليها ومراقبة تاريخ الصلاحية. على وزارة الصحة أن تشرع فوراً في التفتيش على جميع الصيدليات والتأكد من أن العاملين بها هم خريجو صيدلة، إضافة إلى التأكد من مدى مطابقة الأدوية للشروط الخاصة بالتغليف والحفظ والتخزين ووجود العلامة المسجلة على الدواء وإغلاق الصيدليات التي تعمل بتصاريح من الباطن ويديرها بائعون غير متخصصين ولا علاقة لهم بالصيدلة . إن أغلب الصيدليات يعمل بها أناس غير متخصصين يعملون على قتل الناس بشكل يومي! وعلى وزارة الصحة أن توقع غرامات مالية تصل إلى عشرة ملايين ريال ومصادرة الترخيص على كل من يسهل فتح صيدلية لغير المتخصصين وعلى جميع وسائل الإعلام تنبيه المواطن إلى خطورة الدواء الذي يباع خلافاً للضوابط والشروط الصحية مما قد يعرضهم لمشكلات ومضاعفات صحية قد تكون أخطر عليهم من المرض نفسه. على وزارة الصحة أن تكلف جهاز المراقبة لاخضاع جميع الأدوية الواردة إلى اليمن من الخارج للاختبارات والكشوفات المعيارية والتأكد من مدى مطابقتها لمواصفات ومعايير الجودة قبل السماح بتداولها. أما التداوي بالأعشاب والمتاجرة بها فتلك قصة تجعل الولدان شيباً، لقد أدهشني أن أرى وكالة سفريات ناجحة تبيع الأعشاب الطبية داخل الوكالة، فماذا يعني ذلك: هل هي غسيل أموال أم أن تجارة الأعشاب الطبية مربحة إلى هذا الحد؟ نحن نعلم والإخوة في وزارة الصحة يعلمون أن الأعشاب الطبية أو بمعنى أصح الأدوية لا يتم استعمالها وتطبيقها على البشر إلا بعد تجربتها على الحيوانات ومراقبة نتائجها ثم نشر الدراسات حولها في المؤتمرات العلمية والنشرات الدورية المتخصصة، وعندما يثبت نجاح الدواء والتأكد من عدم تأثيره تقوم الشركة المتخصصة بطلب تصريح الدواء من الهيئات المختصة في إجازة الدواء، وبعد ذلك يتم صرف الدواء بإشراف طبيب وصيدلي مع تعليمات مفصلة بكمية الدواء وطريقة استخدامه والفترة الزمنية اللازم عدم تجاوزها والعمر المناسب للجرعة. إن التداوي بالأعشاب كارثة إنسانية، لأنه يقوم بها أناس يجهلون الخواص الكيميائية للأدوية المستخلصة من النباتات وأخيراً على وزارة الصحة أن تقوم بدورها الرقابي أو أنها تتحول إلى وزارة للحجامة والأعشاب الطبية!