حين يكون الإنسان بلا ثمن، فهذا يعني أننا إلى زوال، والإنسان اليمني أصبح بلا ثمن، حيث تحول إلى حقل تجارب لكل العقارات والأدوية سواء تلك التي تسمى عقاقير طبية أو تلك التي تسمى عقاقير شعبية. فعندما تمر من باب اليمن، ستجد من يعلن وبمكبر الصوت عن وجود أنواع الشربات التي تنظف البطن من الديدان أو من الأمعاء نفسها وفي كثير من المحافظات اليمنية ومنها أمانة العاصمة ستجد لوحات وإعلانات تشير إلى اطباء يعالجون بالطرق الشعبية دون أن نعلم ما إذا كان هؤلاء يحملون رخصاً من وزارة الصحة أم لا؟ والأدهى من ذلك ان تقرأ هنا وهناك من يعلن عن نفسه بأنه يعالج بواسطة الحجامة استناداً إلى حديث مزعوم عن الرسول «ص» وليت شعري هل وزارة الصحة تعلم شيئا عن هؤلاء، خاصة وأن الحجامة ترتبط باستخراج الدم من الجسد وهو مايساعد على انتشار فيروس الكبد بواسطة الآلات غير المعقمة التي تستخدم بطريقة بدائية ومن أناس يجهلون خطورة هذه الأدوات على نقل الأمراض المعدية. ونتيجة لانتشار الجهل بين الناس ساعد ذلك على لجوء الناس إلى الأدوية والأعشاب الشعبية، مماجعل وكالة سياحية ناجحة مثل وكالة الهاشمي للسياحة ان تضيف إلى خدماتها السياحية خدمة أخرى وهي بيع الاعشاب الطبية والسؤال الذي يطرح نفسه : من الذي صرح لمثل هذه الوكالة ببيع الاعشاب الطبية ؟ هل هي وزارة السياحة أم أن المسألة تأتي في اطار الانفلات الذي يسود الوسط الصحي نتيجة لغياب الرقابة الصارمة من قبل وزارة الصحة. أما مايجري في الصيدليات فشيء يشيب منه الولدان، فهناك أدوية تباع ولم يبق على فترة انتهاء صلاحياتها سوى بضعة اشهر، مع العلم أن القانون لايسمح بدخول الأدوية إلا إذا كانت فترة الصلاحية مازال باقياً عليها ثلثا المدة. المدهش ان وزارة الصحة ليس لها حضور على الاطلاق وكأن صحة الانسان اليمني لايعنيها. ونحن هنا لن نناقش الزيادات السعرية التي طرأت على الأدوية لان ذلك يحتاج إلى موضوع مستقل، لكننا نتحدث عن غياب الرقابة على تلك الممارسات التي تمارس في حق المواطن اليمني من قبل الاطباء الشعبيين والذين تجري على أيديهم كثير من الممارسات القاتلة التي تودي بحياة الكثيرين أو تحولهم إلى مرضى دائمين أو معاقين مدى الحياة. ونحن لانعرف السبب الذي يجعل وزارة الصحة ومكاتبها في المحافظات تسكت عن مثل هذه الظاهرة وانتشارها. بهذا الشكل المخيف. نحن نعلم أن هناك جهات رقابية تتبع وزارة الصحة مهمتها اجازة الأدوية وفتح العيادات والسماح بممارسة الطب، وهذه الجهات لاتسمح بتداول الأدوية إلا إذا كانت قد أثبتت نجاحها من قبل الشركات المنتجة، أما مايتعلق بالأعشاب الطبية فالمعروف أن هذه الجهات لاتسمح بتداولها إلا بعد تجارب الاتاحة الحيوية،و التي تعني أن هذه المستحضرات التي تجاز وفقاً لهذه الاختبارات تستطيع تحقيق ذات الفاعلية لتلك الأمراض التي تستخدم لعلاجها. إن وزارة الصحة لاتعي مدى أهمية الرعاية الصحية الوقائية، لذلك فقد تركت الحبل على الغارب، فهي لاتعطي أهمية للرقابة على العيادات والمستشفيات الخاصة والصيدليات، اضافة إلى مراكز العلاج الشعبي والذي يسبب الكثير من الأضرار. هناك نسبة كبيرة من المشاكل الصحية التي يواجهها اليمنيون تستجيب لأشكال الرعاية الوقائية، بما فيها زيادة الوعي وتغيير السلوك، وربما يكون ذلك بديلاً ناجعاً للاختلال الحالي في نظم الرعاية الصحية المتبعة. يتعين على وزارة الصحة وصانعي السياسة الصحية في البلد، أن يبدأوا بحكم الضرورة بزيادة التركيز على وضع برامج وأنشطة وقائية من جميع الأنواع،و الاستثمار فيها، مع تحسين الخدمات العلاجية ومرافق تقديمها. مطلوب من وزارة الصحة ومكاتبها أن تقوم بحملة ازالة لكل المخالفين للشروط الصحية سواء أولئكم الذين يمارسون الطب الشعبي أوالصيدليات أوالعقاقير الشعبية وخاصة تلك التي تقدم لزيادة النشاط الجنسي أوالمستشفيات الخاصة التي لاتلتزم باحترام انسانية الانسان وكرامته ولابد من ايجاد برامج توعية للوقاية ولتغيير أنماط السلوك الضارة بالصحة. يسهم الاطباء الشعبيون في اعتلال الصحة وهم يقفون حاجزاً أمام الوصول إلى الرعاية الصحية ومالم يدرج هؤلاء صراحة في حملة المكافحة، فإنهم سيتحولون إلى قتلة لشريحة واسعة من الفقراء والضعفاء الذين لايستطيعون الحصول على الرعاية الصحية. إذا كانت التنمية الانسانية تعني حقاً منظومة الحقوق بمعناها الشامل فإن فحص مدى الاستمتاع بالحق بالصحة يتعين أن يكون شغلاً أساسياً في دراسة التنمية الانسانية على وجه الخصوص.. نضع هذه المناجاة بين يدي الأخ وزير الصحة عله يلتفت إلى هذه المأساة التي يعيشها قطاع الصحة.