منذ عهد بعيد وعند انعقاد كل قمة عربية ونحن نسمع أن الأمة تقف على مفترق طرق أو هي أمام منعطف خطير ونظراً لكثرة المنعطفات والمفارق فقد أصيبت الأمة بالدوار الشديد الذي أفقدها القدرة على مواجهة الأخطار والتحديات التي تحيط بها. والقمة العربية المزمع عقدها في سوريا، ستكون مميزة وجادة كما قال ممثل سوريا في الجامعة العربية، غير أن بوادر التصريحات لاتدفعنا إلى التفاؤل فهي في نظرنا كمواطنين عرب بسطاء مثل سابقاتها وستكون أسوأ إذا خرجت بخلاف أكبر بين الزعامات العربية، وقد حاولنا طوال عقود أن نكذب قول - أمير البيان - شكيب أرسلان «اتفق العرب على أن لايتفقوا» وهذه المخاوف لها مايبررها: -1 الوضع اللبناني المتأزم منذ أكثر من عامين. -2 الوضع المتردي في غزة واعتداءات اسرائيل المتكررة وسط صمت مطبق من القيادات العربية ومشاركة فعالة من البعض الآخر. -3 الوضع في دار فور والحدود التشادية السودانية. -4 نتائج زيارة نائب الرئيس الامريكي «ديك تشيني» للمنطقة والوضع في العراق وغيرها من المعطيات المؤسفة. فالقضية اللبنانية لاتزال تراوح مكانها وهذا التأجيل السادس عشر لانتخابات رئيس الجمهورية يؤكد بقاء الأزمة، وسيطرة الأطراف الخارجية على الأطراف الداخلية، وكذا مايجري في غزة وفي دار فور وغيرها.. ويمكن تلخيص المشكلة في الصراع القائم اليوم في المنطقة أنه صراع بين مشروعين مشروع المقاومة ومشروع الاحتلال والاستسلام ولا أقول السلام، فالمطلوب هو إجهاض كل تقارب وتلاقٍ بين أطراف الصراع الداخلية الفلسطينية وعلى هذا فإن المبادرة اليمنية مستهدفة، وقد صرحت بذلك اسرائيل علناً بأنها ستعاقب «عباس» إذا اتفق مع حماس. وتأتي زيارة «ديك تشيني» نائب الرئيس الامريكي للمنطقة كعملية استباقية لنتائج القمة، فتصريحه بأن امريكا لن تضغط على اسرائيل بأي شيء يمس أمنها استباق لمطالبة عربية من أمريكا بالضغط على اسرائيل، وهي مطالبة متكررة في كل قرارات القمة وكذا ايقاف الاستيطان و حق العودة . إلخ أما الوضع في العراق فهو من سيىء إلى أسوأ، فنذر الحرب الطائفية قائمة ومحاولة اجهاض مشروع المقاومة يجري بتسارع مخيف وتشارك فيه اطراف عربية فقد تم اعتقال 11 شخصاً في بلد عربي مجاور، بتهمة التخطيط لمقاتلة الاحتلال الامريكي في العراق، فأي أمل يبقى بعد أن أصبحت مقاومة الاحتلال «تهمة خطيرة» لدى بعض الأنظمة فهل المطلوب مباركة الاحتلال والدعوة إليه وتعميم فوائده على بقية أقطار الإسلام؟ كل هذه الأسباب هي التي تدفع الشباب باتجاه «القاعدة» والانضمام إلى مشروعها فمن الملوم إذن ؟!! فالقاعدة في نظر هؤلاء هي التي تحمل راية المقاومة وهي التي تدافع عن شرف الأمة وكرامتها ويصبح الالتحاق بركبها شرفاً عظيماً!! لقد جاء «تشيني» ليعرف العرب على عدو جديد ويخوفنا بأسلحته النووية التي لازالت في ظهر الغيب ويطلب منا نسيان إسرائيل التي توجه صواريخها الذرية إلى كل العواصم العربية والتي تحتل أراضينا وتقتل أطفالنا ليس هذا فحسب فهو يؤلب بعض العرب على بعض أيضا. إن الصراع الحقيقي هو صراع بين مشروع المقاومة ومشروع الاحتلال والاستسلام والمطلوب رأس المقاومة بأي ثمن لأنها تعرقل تقدم مشروع الاحتلال الامريكي الاسرائيلي في بلاد العرب وتسبب قلقاً لاسرائيل التي يبالغ الغرب في تدليلها حتى أنه تم مؤخراً عزل نائب محافظ في فرنسا لأنه انتقد اسرائيل. ويأتي تمثيل السعودية المتواضع في القمة حيث سيمثلها مندوبها في الجامعة العربية ليكشف عن عمق الخلاف بينها وبين البلد المضيف سوريا بشأن لبنان الأمر الذي يسحب بساط التفاؤل تجاه نتائج هذه القمة. لست أدري بأي عقلية تحكم بعض هذه النظم التي ستجتمع في دمشق؟؟ إذا لم يعرفوا حتى الآن الصديق من العدو ولم يفقهوا مايجري حولهم من المؤامرات والدسائس ومتى يدركون أن بمنهجهم السياسي الراهن يقدمون مصالح اعدائهم على مصالح شعوبهم.. نريد من هذه القمة أن تتدرب على قول لا للاحتلال وهذا ممكن وبأقل الخسائر لو توفرت الإرادة ولو بأضعف الإيمان وأهم الخطوات هي : -1 سحب المبادرة العربية بدلاً من التأكيد عليها لان اسرائيل عودتنا أن تجتاح المناطق المحتلة بعد كل مؤتمر قمة. -2 وقف التعاون مع امريكا في الحرب على مايسمى بالإرهاب لأنه اصبح واضحاً أن هذه الحرب تستهدف الإسلام و نفيه وليس الإرهاب وأن أمريكا واسرائيل هما الإرهاب شخصياً. -3 دعم الجهاد والمقاومة حتى يستمر الصمود في الضفة وغزةوالعراق وفتح الحدود ولو باسم الإنسانية للمساعدات فالاعتذار بالمعاهدات والمواثيق الدولية غير مقبول الآن فعدم التزام اسرائيل بأي مواثيق ينهي التزام الطرف الآخر. -4 تجاوز عقلية شخصنة الخلافات إلى تغليب المصالح وعدم المراهنة على الخارج والاتجاه إلى تعزيز الوحدة بين شعوب المنطقة وعمل اصلاحات اقتصادية حقيقية تعزز الوحدة الاقتصادية. -5 تبني المبادرة اليمنية ودعمها كأساس لحل الخلاف بين الفلسطينيين دون حساسية من كونها صادرة عن اليمن الذي لازال البعض ينظر إليه على أنه قاصر عن مثل ذلك وختاماً مع كل هذا الظلام فإننا نعتبر انعقاد القمة في سوريا خطوة ايجابية وجيدة يجب أن تتلوها خطوات والأمل أن يخرج الزعماء بقرارات تعيد الأمل لهذه الأمة المطحونة ماذلك على الله بعزيز.. والله من وراء القصد.