هل هو بحث عن الذات؟!.. فما فتئ العرب يتحررون منتصف القرن الماضي من الاستعمار والرجعية حتى ارتمى بعضهم في حضن أفكار متناقضة؛ كل فكرة تتهم الأخرى بأنها ارتماء جديد في حضن الاستعمار كالماركسية والبعثية والناصرية والإخوان المسلمين والوحدوية والبعثية. ولما فترت هذه الاتجاهات بموت الاتحاد السوفياتي كالماركسية وموت جمال عبدالناصر وصدام حسين وفيصل آل سعود، باعتبار هؤلاء رموزاً لاتجاهات؛ انبثقت أفكار أخرى كالسلفية، والسلفية الجهادية، والتبليغ، والقاعدة، والصوفية، وهي الاتجاه الأضعف، وفي جميع الحالات (الجديدة) فإن كل اتجاه يلعن الآخر. كما أن الحكومات تقف بكثير من الصرامة في مواجهة هذه الحركات والأفكار، حتى إن السعودية تواجه الآن مشكلات إرهابية. فما كانت تعلم أن أتباع السلف الصالح سيرتد تفجيراً ينسف منشآت النفط ويقتل الأجانب المعاهدين، وهذا بالطبع ليس ناتجاً عن اتباع (السلف) الصالح وإنما عن تحريف لأفكار هذا السلف وتعطيل للتنمية في بلدان العالم الإسلامي، كالجزائر مثلاً، واليمن وربما السعودية نتيجة لهذا الفكر المنحرف المتخلف. وتصبح السجون والمحاكم مكتظة بهؤلاء الذين لا يفرقون بين الكفر والإسلام إلا من خلال مظاهر شكلية، لا تقول شيئاً ولا تدل على شيء. وإذا كانت الأفكار السابقة قد واجهت بعضها بتهم خارجية، إذ اتهم الإخوان المسلمون القوميين بأنهم عملاء للغرب الكافر، فإن القوميين اتهموا الإخوان بأنهم كذلك عملاء للغرب؛ خاصة بريطانيا. والآن تتبادل الأفكار والاتهامات نفسها، فالسلفيون يتهمون الفكر الحاكم (الأنظمة) بأنها تنفذ سياسة أمريكا، بينما الحكومات والصوفية يتهمون السلفيين بأنهم ينفذون المخططات الأمريكية في العمق. وليس تفجير أمريكا واحتلال العراق إلا نتيجة أفكار رئيس السلفية الجهادية "بن لادن" فالسلفيون هم الذين هيأوا الأجواء للاستعمار الجديد، وهم الذين يقومون بتدمير التنمية في شعوبهم، ويعكسون صورة مزورة عن الإسلام؛ لأن الإسلام لم يأمر بقتل الذميين المعاهدين، ولم يأمر باستهداف الآمنين؛ ولم يرض بإطلاق تهم التكفير ضد المسلمين. كيف ومتى وأين يستطيع العرب والمسلمون اكتشاف أسلوب جديد وأفكار جديدة تخلّصهم من غبار القرون وتدفع بهم إلى حيث يعيشون حياة جديدة هي التي يعيشها العالم من حولهم، وهي حياة كلها كرامة ورخاء وضمان صحي واجتماعي وتعليمي وانطلاق ريادي حول اكتشاف ممتاز لآفاق الكون الذي سخّره الله للإنسان؟!.