مرّت الذكرى الستون للنكبة العربية والنوائح على حالها تبكي لحال الأمة التي ودّعت قرناً واستقبلت آخر وكأنها لم تبرح مكانها ولا ودّعت أو استقبلت، فهل تنقضي السنون والقرون إلا والعرب أوفياء لتأريخ من النكبات أثقل عليهم حمله فحملوه هم وصار لهم زمناً لا ينقضي ووراثة لا تنضب؟! ستون عاماً والأمة تتخبطها شيطانة النكبة، الجرح الأول نازفاً على حاله.. وثمة خارطة من الجراح أضيفت إليه النزيف قسمة عربية تتداولها العواصم والأقطار.. ولا أحد من العرب بمعزل عن مفاعيل النكبة وضريبة الانتماء وإلى الهوية المستباحة النازفة. كانت إسرائيل تحتفل بمرور ستين عاماً على قيامها وكيانها المغتصب، وكانت الفضائيات العربية تحيي الذكرى الستين للنكبة بأخبار ومشاهد النكبة المتجددة كل عام: عرب يتقهقرون، وعواصم تعصف بها رياح الأربعينيات من القرن العشرين، خلافات عربية عربية.. وصراع الأخوة الألداء يستفحل ويستحكم في أكثر من قطر وعاصمة وحي وشارع عربي. هذه هي السيرة العربية الناهضة إلينا من أبي زيد الهلالي والزير سالم وأيام البسوس وداحس والغبراء، ألا ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبهنا بالآباء والأجداد، أمجاد ياعرب أمجاد«..» في الذكرى الستين للنكبة.. كانت غزة تبحث عن غزة.. الظلام يلف المدينة والقطاع، نفد الوقود اللازم لتشغيل كهرباء غزة، إسرائيل تمنع عن عرب غزة الوقود والماء والغذاء والدواء فيما أن النفط العربي يذهب بعيداً إلى ما وراء البحار والمحيطات والقارات ليشعل الضوء في عواصم وقرى ومدن عالمية مترامية.. ويدير مصانع وآلات العالم، حتى إسرائيل صار لها نصيب وافر من نفط ووقود العرب وغاز العرب، إلا غزة وعرب غزة! فهل هناك نكبة أكبر وأمر من هذه؟! وفي الذكرى تماماً.. كانت بيروت على موعد مع النكبة العربية الخالدة، بنادق وذخائر وأسلحة الأخوة تطلب بعضهم بعضاً.. عزّ الحوار واستحال عليهم الالتقاء على طاولة الوطن، وما أسهل ما سهل عليهم التحاور بالبنادق والخنادق والقذائف. البيروتيون عرب أقحاح.. والعرب سائر العرب، بيروتيون بطريقة أو بأخرى. الجميع كان حاضراً في الطوائف والتيارات والجماعات المتنازعة، ما من عربي إلا وله في بيروت قدم ويد! الخارجيون استباحوا تأريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، كانت الخرطوم تذود عن نفسها هجمة أخرى من تلك التي لاتزال تتربص بالسودان ووحدته وخيراته، كم من المؤامرات والدسائس يحوكها ويسوسها تجار الشرق الأوسط الجديد باتجاه السودان منذ الجنوب وحتى دارفور؟! وكأنه غير مسموح لهذا القطر العربي أن يتعافى ويخرج من دوامة الحروب والصراعات ويتفرغ لبناء دولته ونهضته واستثمار موقعه وخيراته المكنوزة. كل ذلك حدث مع مرور ستة عقود وستين عاماً.. وحلول الذكرى الستينية لنكبة العرب الشهيرة ودونها بغداد ومقديشو وعواصم أخرى، فإلى أين يسير بنا قطار الزمن وما الذي تخبئه لنا الأيام والمفاجآت؟! ثم ماذا بعد ياعرب؟ ومتى ننهض من نكبتنا ونتضامن معنا.. مع أنفسنا؟ متى العرب يتضامنون مع العرب؟