ظاهرة سيئة ومقلقة تشكو منها العديد من مدننا، وتتمثل في تواجد وانتشار عدد كبير من المصابين بالأمراض العقلية «المجانين» في شوارعها؛ حيث لم يعد هناك شارع يخلو منهم. هذه الظاهرة كانت ولاتزال تشوه المظهر العام لمدننا في ظل عدم وجود اهتمام وجهود جادة لمعالجتها من قبل الجهات المعنية التي يبدو أن الحفاظ على سلامة الآخرين والمظهر العام للمدينة هو آخر ماقد تفكر أو تهتم به،خاصة أن هؤلاء يأتون بالعديد من التصرفات الجنونية التي تهدد سلامة الآخرين. في يوم الثلاثاء الماضي وتحديداً مابين الساعة الثالثة والنصف والرابعة عصراً كان المارون في شارع جمال أمام البنك الإسلامي في ديلوكس على موعد مع مشهد يخدش الحياء والذوق العام، حيث تفاجأ الناس بأحد هؤلاء «المجانين» يمشي عارياً تماماً، يذرع تلك المنطقة ذهاباً وإياباً أمام مرأى الكثير من المارة رجالاً ونساءً وأطفالاً.. وفيما النساء فررن هاربات والحياء يكاد يقتلهن من مواجهة مثل هذا الموقف المحرج جداً، كان الجميع مشدوهين مما يرونه، متسائلين أين هي الجهات المعنية ودورها في تجنيب المواطنين مثل هكذا مواقف مخلة وخادشة للحياء في الطريق العام، وهو موقف ماكان له أن يحدث لو قامت هذه الجهات بدورها ووضعت أمثال هؤلاء في مصحات خاصة بهم حفاظاً على آدميتهم وحفاظاً على مشاعر الآخرين. وفي مدينة تعز أيضاً أذكر أنه كان قد تم قبل سنوات إنشاء جسرين حديديين في شارع جمال أحدهما أمام السوق المركزي والثاني أمام مدرسة الشهيدة نعمة رسام؛ وذلك لتأمين وتسهيل مرور المواطنين من إحدى جهتي الشارع إلى الجهة الأخرى المقابلة دون الخوف من حوادث السير وحفاظاً على الأرواح.. غير أنه للأسف الشديد لم يعد لهذين الجسرين أية فائدة، فالأول أصبح في خبر كان ولم يعد له أي وجود، أما الثاني الذي يقع أمام مدرسة الشهيدة نعمة رسام فقد صار مسكناً لأحد هؤلاء «المجانين» الذي استوطنه ولم يعد أحد يستطيع استخدام هذا الجسر للعبور للضفة الأخرى من الشارع، خصوصاً بعد أن تعرضت بعض الطالبات لمواقف مفجعة حيث تفاجأت عندما صعدن الجسر للمرور للضفة الأخرى من الشارع بأحد «المجانين» ضخم الجثة، كث الشعر، رث الملابس، نائماً فيه ونهض مع وصولهن مسبباً لهن خوفاً ورعباً شديدين امتنع بعده الجميع عن استخدام هذا الجسر. صحيح أن الأفعال والتصرفات التي يرتكبها هؤلاء هي بدون إرادتهم ولا ذنب لهم فيها؛ لأنهم فاقدو العقل القادر على التمييز بين الصحيح والخطأ والخير والشر.. لكن ذنبنا نحن أننا تركناهم هكذا في الشوارع يفترشون الأرض ويعيشون في بيئة شديدة القذارة، بأجساد شبه عارية إلا من بعض الخرق والأسمال البالية الرثة شديدة الاتساخ في منظر يبعث على الاشمئزاز والقرف والغثيان.. وهو مايعتبر امتهاناً لكرامة الآدمي. وأمام كل هذا هل هو أمر صعب أن تقوم الجهات المعنية بجمع هؤلاء من الشوارع ووضعهم في مصحات خاصة، كما هو معمول به في جميع دول العالم ؛ حفاظاً على آدمية الإنسان وصون كرامته ومشاعره والمظهر الحضاري للمدن. لا نعتقد أن ذلك أمر صعب أو مستحيل؛ لأنه ليس من المعقول أن نجد غيرنا وصلوا إلى حد الاهتمام بجمع القطط والكلاب المتشردة من الشوارع إلى أماكن خاصة لائقة، بينما نحن لا نستطيع أن نحافظ على الإنسان ونصون آدميته وكرامته!