لم تكن من المصادفات القدرية تلك التي حدت بالبرفسور الروماني وعميد كلية الدراسات الدينية بجامعة بوخارست “ ريموس روس” أن يُعيد تأصيل معارفه النظرية حول الإسلام والعرب، وذلك خلال الفترة مابين حربي الخليج الأولى والثانية “ 1980 1990-”، وخاصة إذا عرفنا أن ريموس روس ليس استاذاً أكاديمياً وعميداً لكلية الدراسات الدينية بالجامعة الرومانية فحسب، بل هو أيضاً من القلائل العارفين بعلوم العهدين القديم والجديد من الكتاب المقدس، ولعله رأى فيما رأى أن حربي الخليج الأولى والثانية مُقدمة نحو تلك المتاهة الكبرى التي ورد شرحها مطولاً في العهدين القديم والجديد، وأذكتْ خيالات “ الهرمجدونيين “ الناظرين لعودة المسيح الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً ، ومن عجائب التعليم الديني المسطور أن هذه النبوءة يتشارك فيها المسلمون مع اليهود والمسيحيين، لكن النبوءة بذاتها تقتضي مُقدمات تراجيدية كتلك التي وردت في رؤيا يوحنا المعمدان ، وكتاب “ الظهور “ للمهدي المنتظر عند الشيعة، وماذهب اليه “ ابن كثير” في كتاب “ البداية والنهاية “، وحتى تلك الإشارات الغامضة التي جاء بها الشاعر الساحر “ نوستراداموس “ في مقارباته للقرون القادمة . قال لي ريموس روس في منزله ببوخارست إنه قضى 15 عاماً ليصل إلى ماذهب إليه في كتابه «تاريخ الفلسفة الإسلامية» وحالما لاحظ معرفتي الدقيقة باللغة الرومانية التي سطر بها كتابه، وبعد مناقشة عابرة سلمني نسخة من خطوطه قائلاً : لك أن تترجمه إلى العربية كما تريد، فأنا واثق من أن محتوى الكتاب سيصل إلى العرب بأمانة.. بعد اطلاعي الأولي على المخطوط تيقّنت أنني أمام كنز حقيقي إذا مانظرنا إلى الأمر من زاوية الرؤية النابعة من عالم لاهوت وعميد دراسات دينية مؤصل في فقه الديانتين المسيحية واليهودية، ومتطلع للاستغوار في طبيعة الفكر العربي الإسلامي من خلال رصد تاريخي ابستمولوجي لا يخلو من ذائقة العارف الرائي لما وراء الآكام والهضاب. قرأت المخطوط كاملاً ، واستفدت من فراغات الصفحات المقابلة للمادة المطبوعة بالآلة الكاتبة لأدون عليها خلاصات الصفحات المقابلة، ولخّصت الكتاب عبر تلك الملاحظات ثم عرضته على مجلس السفراء العرب ببوخارست، متمنياً تبني نشره عبر جامعة الدول العربية، ومن المفجع أن التلخيص المطبوع الذي قدمته للسفراء العرب عام 1990م ، وقبيل حرب “ عاصفة الصحراء “ ، سرعان ما استدعى بعض الملاحظات الاستنسابية المتسارعة، وأبدى أحد السفراء العرب استهجانه لورود بعض الفرق الدينية بوصفها نابعة من الإسلام، كما هو الحال بالنسبة للبهائية التي قال ريموس روس إنها تفرعت بالأصل من التشيُّع، كما اعتبر آخرون أن الكتاب يتناول مواضيع إشكالية تتجاوز طاقة المؤسسة العربية على تمثلها وهضمها ونشرها. هكذا كانت البداية مع “ تاريخ الفلسفة الاسلامية “، ومنذ عام 1990 إلى يومنا هذا مازلت اعتقد أن كتاب البروفسور ريموس روس يستحق أن يصل للقارئ العربي حتى وإن اختلفنا مع المؤلف في بعض ما يذهب إليه، ولمزيد من استرجاع محتواه سأبدأ بكتابة رؤى المؤلف ومقارباته تباعاً، وذلك تأكيداً لما ذهبت إليه بدايةً من أن الكتاب لم يكن محظ مصادفة قدرية اعتباطية، بل كان ضرورة تستحق التأمل، عطفاً على ماجرى خلال العقدين الماضيين المترعين بالدماء والدموع .