ليست المرة الأولى التي أتطرق فيها وغيري إلى قضية الغش في الامتحانات سواء في امتحانات النقل أو الشهادات العامة فما كتب في الصحف من مقالات وتحقيقات واستطلاعات حول الغش في الامتحانات طوال السنوات الماضية لو تم جمعه سيحتاج إلى مئات المجلدات. ورش عمل عدة نظمت ودراسات علمية عديدة أجريت وملايين الريالات تصرف سنوياً على اللجان الامتحانية التي يتم تكليفها بإدارة العملية الامتحانية للشهادتين العامة للتعليم الأساسي والثانوي وإجراءات عقابية تتخذ في حق المخلين بالعملية الامتحانية، ولكن كل ذلك لم يؤد إلى انهاء ظاهرة الغش في الامتحانات بل للأسف إن هذه الظاهرة تزداد انتشاراً وتوسعاً عاماً بعد آخر، وكلما أعلنت الجامعات الحكومية عن رفع نسبة المعدل للقبول للالتحاق فيها كلما زادت ظاهرة الغش انتشاراً والجميع يريد الحصول على أعلى المعدلات وبكل الوسائل والطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة. من المؤسف أن من يفترض بهم أن يكونوا قدوة في المجتمع باعتبارهم يحملون أسمى رسالة ألا وهي رسالة التربية والتعليم التي ترفعهم إلى مكانة الرسل عليهم السلام.. للأسف نجدهم أو لنقل أغلبيتهم لأن هناك ممن لا يزالون يحملون ضمائر حية.. نجدهم يخونون الأمانة الملقاة على عواتقهم في ممارسة الغش في قاعات الامتحانات جهاراً نهاراً رغم أنهم يحفظون حديث المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم «من غشنا ليس منا». من المؤسف أن يتحول حملة مشاعل التنوير وصانعي قادة المستقبل إلى خونة للأمانة التي أؤتمنوا عليها في تربية وتعليم فلذات أكبادنا جيل الحاضر وقادة المستقبل وخيانة أمانة المسؤولية في إدارة العملية الامتحانية فالمعلمون والمعلمات ومديرو ومديرات المدارس والوكلاء والوكيلات والمكلفون بالمراقبة على أداء الامتحانات وكل من لهم علاقة بالعملية الامتحانية مسؤولون مسئولية مباشرة على تلك الجريمة التي ترتكب في حق الوطن داخل قاعات الامتحانات والمتمثلة بالغش.. أقول جريمة لأنها كذلك فالطالب الذي ينجح بالغش يحصد أعلى الدرجات وهو لم يبذل أي جهد في الدراسة والمذاكرة والسهر والمثابرة ولا يفهم من الإجابة التي نقلها من «البراشيم» إلى دفتر الإجابة أي شيء لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون نافعاً للوطن، ومعنى ذلك أن الذين يسمحون بالغش ويساعدون عليه إنما يقدمون للوطن بضاعة فاسدة غير نافعة لا يستفاد منها.. فالوطن بحاجة إلى المبتكرين والعلماء الذين سيقودون حركة التغيير والبناء والتطور والنماء والازدهار وليس بحاجة إلى حملة شهادات مزيفة ينظمون إلى طابور البطالة.. فماذا عسى أن يقدم طالب نجح بالغش لنفسه أولاً ولمجتمعه ووطنه ثانياً. نتمنى لو أن يتم العمل على إيجاد آلية جديدة لقضية الامتحانات والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في التعليم لأن العملية التي تتم فيها الامتحانات حالياً أجزم بأنها لم تعد مجدية في هذا العصر فلا بُد من اعتماد وسائل وأساليب حديثة لتقييم مستوى الطالب لتحديد من يستحق النجاح ومن لا يستحق نيل شهادة التخرج فيكفي هذا الكم الهائل من الأميين المتخرجين الذين نجحوا بالغش. لقد أعجبني موضوع في صحيفة «تعز» بعنوان «الغش في الامتحانات.. مؤامرة على التعليم» كاتبه أحمد الصوفي مدير مدرسة الشهيد أحمد غالب بمقبنة، حيث قال إن بعض مديري المدارس يتحولون إلى «قهوجي أو سفرجي» يتنقلون في قاعات الامتحانات لتوزيع «براشيم» الغش حسب الطلب وأنه يتم فرض مبالغ مالية على الطلاب للجان مقابل تسهيل عملية الغش.. هذه شهادة حق أطلقها أحد التربويين الذين لا يزال لديهم ضمير حي.. وأخيراً أليس ما يجري داخل قاعات الامتحانات من غش جريمة في حق التعليم والأجيال والوطن؟