لم تشهد بلادنا إلى وقت قريب وجود بيوتات تجارية ثرية جداً كما بدأت تبرز خلال العقدين الماضيين. فقد كان اليمنيون جميعاً كما يقول الاقتصاديون (طبقة وسطى) يتقاسمون ظروفاً معيشية متشابهة ودون فوارق كبيرة كما نحن عليه اليوم. ولهذا فالفقير اليوم في بلادنا يعرف جيداً اسم هذا الغني وأيضاً اسم أبيه وأمه والذي برز فجأة في قريته أو مدينته وفتح الله عليه وأصبح ينعم في بحبوحة من العيش. وهذا يعني أن ظاهرة الفقر التي برزت فجأة في اليمن لأسباب متعددة، داخلية وخارجية، ليست معقدة ويمكن حلها إذا أراد الطرف القوي في هذه المعادلة، وأقصد الأغنياء (القطاع الخاص) وذلك لإيجاد حل واستشعروا مسؤوليتهم الأخلاقية تجاه أهلهم وناسهم الذين وقعوا ضحية لظروف ليست من صنع أيديهم، بل بسبب تدني وعيهم، وكذلك بسبب المتغيرات الاقتصادية الداخلية والخارجية التي أوصلتهم إلى هذه الحال المؤسفة، رغم أن العديد منهم إلى وقت ليس ببعيد كانوا مُلاك أطيان ومشائخ وأعياناً وتجاراً ومزارعين ومن بيوتات ذات نسب رفيع. ٭ ومع اتساع فجوة الفقر وانتشار ظاهرة البطالة في بلادنا تأتي أهمية تقييم وتقويم دور (الأغنياء) القطاع الخاص في مواجهة التحديات الاقتصادية التي تعصف بالوطن. فليس من أخلاقيات اليمنيين وعقيدتهم وشريعتهم أن يظل هذا القطاع الحيوي والهام يمارس دور المتفرج لكل ما يدور في البلد من تدهور مريع في منظومة القيم الاجتماعية، وذلك بسبب ظاهرة تراجع سعر الريال أمام الدولار التي بدأت منذ مطلع العقد الماضي. لقد تدهور حال اليمنيين الاقتصادي جميعاً دون تمييز،ابتداءً بشاغل درجة الوظيفة العمالية وانتهاء بالاستاذ الجامعي الذي يعتبر ومنتسب السلطة القضائية أفضل حالاً من موظفي المؤسسات الأخرى، ناهيك عن أولئك الذين لا يملكون مورداً ثابتاً لتغطية متطلبات معيشتهم ويمرون بظروف اقتصادية سيئة. ٭ إننا لاننكر الدور الهام الذي تقوم به بعض مؤسسات القطاع الخاص في عملية التنمية ومساهمتها في هذا الجانب، لكننا نبحث عن الدور الغائب لهذا القطاع الهام في الميادين التي يجب أن يكون حاضراً فيها. فلم يعد مجدياً في ظل التحديات الاقتصادية التي يشهدها الوطن اليوم أن تقوم بعض مؤسسات القطاع الخاص بتوزيع الصدقات للأغنياء والفقراء على حد سواء في شهر رمضان وحسب، بل يجب عليها التفكير بمشاريع استثمارية صغيرة للأسر الفقيرة التي تتسلم تلك الصدقات لتضمن لها مورداً دائماً للقمة العيش وطوال العام. ولا تحتاج هذه الخطوة سوى إلى الاستئناس برأي المنظمات العاملة في مجال مكافحة الفقر والمنتشرة في العديد من محافظات الجمهورية. ٭ إن مؤسسات القطاع الخاص (الأغنياء) التي استشعرت دورها الوطني والأخلاقي وسخرت مواردها في عملية التنمية لا تكاد تُعرَف ولا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. ونحن نسمع ونقرأ أن هناك رؤوس أموال كبيرة تستثمر في البلد لكنها شبه غائبة في ميدان مكافحة الفقر ومواجهة الآثار السلبية المترتبة على الانهيار الكبير الذي ضرب اقتصادنا الوطني منذ أكثر من عقد من الزمن. وما يؤسف له أن تجار الليل وبعض الرساميل الكبيرة التي نسمع ونرى أنها تقوم باستثمارات كبيرة و تذرع بنشاطها ومنتجاتها طول وعرض البلاد تتحرك بيننا وكأنها لاتنتمي لهذا الشعب، وتناست أنه لولا هذا الشعب الصبور الذي لا يعترض على الأسعار مهما ارتفعت فجأة بين الحين والآخر أو ضعف الجودة لما استطاعت أن تحقق أرباحها الخيالية السريعة، والتي لا يمكن لها أن تتحقق إذا كانت في بلد غير اليمن. ٭ إن بعض مؤسسات القطاع الخاص عرفت من أين تؤكل الكتف، واستطاعت بأساليب ليست مقبولة دينياً وأخلاقياً أن تُحيّدَ بعض المنابر والأصوات الهامة للحيلولة دون التعرض لنشاطها ودورها القاصر وغير المقبول تجاه المجتمع، وأصبحت خطاً أحمر لا يمكن الاقتراب منه. وكل هذا يحدث وهي ترى الفقر يطحن الناس ويهدد منظومة القيم والأخلاق في البلد. واتبعت أسلوباً يقترب كثيرًا من (الرشوة) تقدمها لتلك الأطراف من أجل تنفيذ أهدافها. وهذا السلوك يتنافى كلية مع الانتماء لوطنها والشعور بمعاناة الناس وآلامهم . فأصبحت المساعدات المالية والعلاجية لا تُعطى إلا لمن كان له وسيط من عليّة القوم وأصحاب الوجاهة والنفوذ. و لهذا فلم يعد ما يقدمه هذا التاجر أو ذاك من مساعدة مالية (فعل خير) و( لوجه الله). ٭ إننا نريد من القطاع الخاص أن يتبنى استراتيجية بعيدة المدى لمحاربة الفقر وذلك لاستعادة التوازن الاقتصادي والاجتماعي والقيمي الذي كانت تنعم به بلادنا منذ عقدين من الزمن. فالدولة لن تستطيع بمفردها القيام بهذا الدور الوطني الكبير. ولابد من تضافر كل الجهود وتعاون كل الخيرين للقيام بتنفيذ هذا الواجب. وبدورنا نتساءل: لماذا لا تتبنى هذه الأفكار الكيانات النقابية للأغنياء في اليمن وما أكثرها ؟ ولماذا لا يفكر فقراء الأمس الذين أصبحوا أغنياء اليوم (القطاع الخاص) بتنفيذ مشاريع تجارية للشباب كما يحصل في العديد من البلدان وليس فقط تنفيذ مشاريع لتشغيل العاطلين واستيعابهم في الوظائف ؟ ولماذا لا يبادر هذا القطاع الحيوي إلى المشاركة الطوعية والذاتية لدعم الفعاليات التي تستهدف الشباب، والتي تقام من وقت لآخر، وعلى سبيل المثال لا الحصر المبادرة إلى دعم المراكز الصيفية التي ستقام مطلع الشهر القادم لحماية الفتيان والفتيات من الانحراف والأفكار الضالة وإكسابهم مهارات تعود بالنفع عليهم وعلى أسرهم ؟ إننا نخشى في ظل (تطنيش) ولا مبالاة القطاع الخاص بهموم وقضايا الفقر والفقراء أن تنمو ثقافة الكراهية والحقد وتتسع ضد (الأغنياء). وأتمنى ألاّ يكون شعار القطاع الخاص (أنا ومن بعدي الطوفان).