النفوس العظيمة بطبيعتها تواقة إلى من يشاركها الهموم وتهفو إلى من تأنس إليه ويبادلها القيم والتعاون ومحبة الخير للإنسانية، والشعوب برغم ما يحكمها من خصوصيات وما يفصل بينها من نظم وحدود ووجهات متوازية تظل هناك بعض العلامات الفارقة وشواهد التميز التي تكون محط إعجاب ودهشة. فقد نجد شعباً أميل إلى شعب آخر، وواقع الصداقة بينهما يأخذ أبعاداً متنوعة ومساحات ودٍّ هدفها الوحيد هو التعاون والاحترام المتبادل والتفاني في السعي نحو خدمة الآخر، والوقوف إلى جانبه أو تحقيق واقع استثماري يعود بالنفع لكليهما. التاريخ يقول إن الإنسان اليمني دخل عصر الحداثة من البوابة الصينية وأن هذا الإنسان يوم أن انتفض ثائراً لم يجد صديقاً يحمل الهم معه أو يعضده بصناعة دور مساند لبعثة الطموح واستشراف المستقبل والبقاء في دروب التضحية والبناء والإعمار مثل ذلك الوافد الصيني الذي دهش له اليمنيون وهو يعمل ليل نهار، يتصبب عرقاً ويشرب دون توقف. طريق «صنعاء- الحديدة» ذو التنفيذ الصيني تحول على يد الذاكرة الأدبية إلى رمز أو عنوان لبداية التحول الاجتماعي في اليمن، فنحن نجد في أول مجموعة قصصية للأديب محمد عبدالولي قصة «طريق الصين».. هذه القصة من جانبها الأدبي البحت تُعد وثيقة تاريخية لعلاقة مثيرة الأحداث عطرة السرد، فشخصية «علي التهامي» تبدو متأثرة بالعامل الصيني «ليو».. رآه «علي التهامي» يشق الجبال باتجاه الساحل مما جعله يتذكر أناساً غرباء حمر الوجوه جاءوا مرة وقد رحلوا، كانوا يمعنون في السخرية منه ومن زملائه ويتهربون من العمال وينامون بعيداً في خيامهم «وهم يتغامزون من الفرح» رأى هذا المنظر «علي التهامي» في فترة ما، ولكنه حين التقى أناساً آخرين وجد شخصية اجتماعية هدفها البناء وخدمة الإنسانية والإسهام في تحقيق نهضة الشعوب فكان أن انعقدت بينه وبين «ليو» صداقة وأواصر محبة. كان «ليو» يقول له: «أنا.. أنت.. أقوى من الجبل».. شعر «علي التهامي» بهزة عنيفة، فهو لأول مرة يعرف أن الإنسان بل هو نفسه أقوى من الجبل..!! كانت هذه شرارة أولى.. وتدافعت المؤثرات فتشبع «علي التهامي»- عفواً الإنسان اليمني- بالوعي النهضوي ومن ثم انطلق نحو آفاق جديدة عازماً على اللحاق بالشعوب التي قد طارت..لست هنا في مقام تعداد المعالم والإنجازات التي حققتها العلاقات اليمنية - الصينية والبطولات التي اجترحها الصينيون سفيراً وجالية وفرقاً طبية لحظة قيام الثورة وما أعقبها من محاولات لإجهاضها، فجدير بالاهتمام الالتفات إلى نصف قرن من الزمان على بدء العلاقات اليمنية- الصينية الحديثة والوقوف عند تاريخ كله صفحات مشرقة وتعاون إيجابي وأجواء ثنائية يسودها الهدوء والتوافق والاستعداد لتقديم ما يخدم البلدين الصديقين بدون ضجيج أو إثارة زوابع تقطع حبل الود وتفصح عن مكيدة.!! لذلك ستبقى العلاقات اليمنية - الصينية أنموذجاً رفيعاً للعلاقات الإنسانية، وحتماً ستظل نبراساً يهتدي به كثير من شعوب الأرض ومفخرة يعتز بها الشعبان الصديقان.