ليس من تعبير يفي بوصف مايجري في أروقة وزارة التعليم العالي غير «إنها ثورة» لكونه ليس مجرد «إصلاحات» بقدر ماهو فلسفة أخرى في العمل المؤسسي الذي تتحول فيه المهارات الذاتية إلى قدرات دولة، خلافاً للوضع السائد الذي يستمد المسئول قدرات أدائه من إمكانيات الدولة..! فالدكتور صالح باصرة يدير وزارته بمنطق الذي يؤتمن على وطن ، فلا تتماهى قراءته لحدود المسئولية عند البوابة الخارجية للوزارة، بقدر مانراها تقف على أعتاب كل وزارة ومؤسسة لتقر بأن خيرها وشرها من تحت عباءة التعليم العالي، لذلك كان في مقدمة مااستهدفه باصرة هو تغيير القيمة الوظيفية لوزارته من منح الشهادات الأكاديمية إلى صناعة العقول والإرادات البشرية، وهو ماترتب عليه التزامات مؤسسية أبرز من خلالها أهمية القوانين واللوائح في كبح جماح الفوضى والفساد والمحسوبية، وفي تحقيق العدالة المجتمعية ، وتكافؤ الفرص باعتبار ذلك قاعدة أي تطلعات لبناء دولة المؤسسات. كما أن الدكتور باصرة يحمل على عاتقه مشروعاً كبيراً للبناء النوعي للتعليم، سواء على صعيد التخصصات الجامعية أو البعثات الخارجية ونوعية الجامعات التي يلتحق بها المبتعثون، ناهيكم عن مشروع الربط المعلوماتي بين الجامعات الكترونياً، وكذلك رفع مهارات كوادر الوزارة بدورات تطويرية مختلفة .. ونضيف إلى كل ذلك تفعيل جانب الرقابة والمحاسبة الذي مازالت معظم الوزارات تفتقده.. واختصاراً لكل مايمكن سرده بشأن التحولات الاستراتيجية في وزارة التعليم العالي، يمكنني القول إنها أول وزارة تستعيد هيبة الدولة بقوة.. وهذا لايمنع من الاتفاق مع الدكتور عادل الشجاع فيما أبداه من ملاحظات السبت الماضي. لكن لفت انتباهي امر في وزارة التعليم العالي، بدا لي شاذاً عن محيطه، ولايلتقي إطلاقاً مع مفردات هذه العقلية العبقرية التي تقود الوزارة، وماهو مشهود للدكتور باصرة من معاملة انسانية.. ففي وزارة التعليم العالي حوالي (57) موظفاً متعاقداً ، يتقاضون مرتبات بين العشرة آلاف والسبعة عشر ألفاً، رغم أن معظمهم حملة شهادات جامعية.. ومايحز في النفس أكثر هو أن أمانة العاصمة قامت في شهر مايو الماضي بتسوية أوضاع عمال البلدية (المنظفين) من أبناء الفئات المهمشة، ورفعت الحد الأدنى لأجورهم إلى عشرين ألف ريال طبقاً لاستراتيجية الأجور بينما موظفو التعليم العالي مازالوا يكابدون ضنك العيش ولم تنفعهم مؤهلاتهم بشيء..! لن أخوض في نصوص قانون الاستراتيجية العامة للأجور والمرتبات لأنني واثق أن معالي الوزير أعظم شجاعة مني وسيعدها انتهاكاً للقانون الإنساني.. ولكني ألفت النظر إلى أن الغالبية العظمى من هؤلاء المتعاقدين باشروا العمل في عهد الدكتور يحيى الشعيبي، وهو اليوم على رأس وزارة الخدمة المدنية وبيده قرار تثبيتهم.. كما أن الخدمة المدنية لديها حالياً (11) درجة وظيفية مخصصة للتعليم العالي، وقد جرت العادة أن يتم استيعاب كوادر جديدة من خارج الوزارة، فلماذا لاتخصص هذه الدرجات لتسوية أوضاع المتعاقدين!؟ قبل يومين مررت بالوزارة لمتابعة نتائج اجتماع اللجنة العليا للبعثات ، وعرجت على أحد الأصدقاء المتعاقدين فوجدته مهموماً ومحبطاً للغاية ، فلم أجرؤ على سؤاله عن حال ابنته المصابة بفيروس الكبد فكل شيء مكتوب على الوجه.. إلا أنني وجدت نفسي أعده بالكتابة عن مشكلة المتعاقدين، وأؤكد له بقوة بأن الدكتور باصرة لن يسكت على وضعهم ، وسيتحرك، وسيعمل المستحيل ، و..و.. فهكذا نترجم ثقتنا الكبيرة بمعالي الوزير عفوياً... قبل أكثر من عام وصفت الدكتور صالح باصرة، وفي نفس هذا العمود بأنه (مهاتير اليمن) ، واليوم أجدد رهاني على أن الخطوات التي يقطعها باصرة للارتقاء بمسيرة التعليم العالي ولتحويله إلى قاعدة أي نهضة ترجوها اليمن تكاد تقترب كثيراً من خطوات السيد مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق الذي جعل من التعليم العالي «ثورة» كبرى في التنمية الاقتصادية .. والأهم في اليمن هو أن تتوقف الدولة عن توزيع الجامعات بغير دراية علمية ؛فمثل هذه الاجتهادات أشبه بطعنة في خاصرة الجهد القائم..