الرسالة الأولى: اعتذار إلى الأعزاء القراء الذين يتابعون كتاباتي في هذا العمود غير المستقر أسجل اعتذاري الشديد عن الانقطاع لأسبوعين متتالين بسبب سفري إلى خارج الوطن، وأقدر لهم سؤالهم، كما أقدر لهم تكرمهم بالعناية والاهتمام بما يدوّنه قلم متواضع كقلمي، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يقدرنا على كتابة مايشبع تطلعاتهم، وبالمقابل أعتذر لإدارة الصحيفة لعدم إبلاغها بسفري، وهذا تقصير أعترف به، ولكنها مشيئة الله سبحانه وتعالى. الرسالة الثانية: من أرض الكنانة تصادف وجودي في القاهرة مع احتفال أرض الكنانة بذكرى مزدوجة، ذكرى ثورة يوليو سنة2591م وذكرى تأميم قناة السويس سنة6591م، وهي ذكرى ليست فقط عزيزة على أشقائنا بمصر العروبة..بقدر ماهي ذكرى غالية على كل عربي حر ينتمي باعتزاز للأمة العربية وغالية على كل قارئ جيد للتاريخ، وكل مدقق منهجي بمعاني هذه الذكرى وأبعادها القطرية والقومية والاسلامية والدولية.. فحدث الثورة نقل مصر من دولة تابعة مستكينة يتحكم بها المحتل الحاكم الحقيقي لمصر رغم وجود ملك وحكومات متعاقبة، نقلها إلى دولة تتصدر مسيرة الأمة، وتقود حركات التحرر في العالم الثالث بعامة ، وأقطار الوطن العربي بخاصة، وقطرنا الغالي نعم بهذا التحول واستفاد منه في صناعة الانعتاق من الاستبداد والتحرر والاستقلال من الاحتلال البغيض.. وامتد هذا الخير إلى الجزائروالعراق والكثير من أقطار الأمة. وذكرى التأميم لقناة السويس بفعل الثورة، تعد ذكرى من أغلى الذكريات التي سجلت منعطفاً تاريخياً مهماً في مسيرة الأمة، وسجلت نقلة نوعية في سياق التحول إلى منطقة صناعة القرار، بدلاً من البقاء في صدارة قرار لايصنعه الحاكم العربي، فقد ترجم حدث التأميم وبدون أدنى مبالغة أو شك معاني أهمية امتلاك الإرادة الحرة والقرار المستقل. كما أكد أهمية الثقة بالنفس والاعتزاز بقدراتها مهما كانت متواضعة وفي تمكنها من صناعة الحدث وحمايته والبلوغ به إلى شاطئ الأمان وإلى حيث تكمن المصلحة العليا للوطن والأمة. إن هذه الارادة التي عبر عنها قرار القيادة التاريخية للثورة المصرية بقيادة الزعيم القومي الكبير الراحل جمال عبدالناصر، هي التي نقلت مصر ومعها الأمة إلى قلب الأحداث العالمية، ووضعت لها وزناً له قيمته،: أضحت معه الأمة رقماً صعباً، لم يتمكن أعداء الأمة من كسره وتجاوز مكوناته إلا بعد أن ضعفت الارادة وتوارت إلى كواليس بعيدة، أضحى معها الحكام«كومبارس» هامشيين في مسرح الأحداث. بعبارة أخرى إن الأمة لم تذل أو تهان إلا بعد أن افتقدت الارادة الحرة التي اغتالها حكام يبحثون عن استمرار بقائهم على كراسي السلطة بغض النظر عن الثمن بل الأثمان التي تدفعها الأجيال وتدفعها الأمة، وعلى رأسها الهدر الواضح لكرامتها والعبث المستمر بمقدراتها.. ولعل من أبرز الشواهد الحية التي لاتقبل التأويل، اصطفاف الحكام العرب مع أعداء الأمة في غزو العراق العربي واحتلاله وإسقاط نظامه واغتيال قائده الشهيد صدام حسين، وكذا هرولتهم غير المقبولة وغير المبررة لاسترضاء العدو الصهيوني والعمل بكل الوسائل لإقناعه أن يكون جزءاً من الوطن الكبير والتبرع الذليل بالاعتراف به كياناً له كامل الحق والسيادة رغم تنافر ذلك مع حقائق التاريخ، والحقيقة العربية التي تمثلها فلسطين من الماء إلى الماء، بل نراهم لايخجلون من أن يقروا ويعترفوا للعدو الغاصب بسيادة وحقوق تمتد إلى أكثر من 08% من الأرض الفلسطينية، ويعملون باستحياء لإعلان كيان فلسطيني على مساحة صغيرة من فلسطين، يفتقد لكل معاني السيادة والحقوق التي تتمتع بها الدولة بمفهومها المتعارف عليه.. وتمتد المهزلة العربية الرسمية إلى مستوى فرض الحصار على نقط المقاومة والممانعة العربية، فحدث ذلك في العراق الشقيق، ويحدث هذا في فلسطين في قطاع غزة لا لشيء إلا لأنها مواطن مقاومة، ولم يستشعر الحكام ولو الحد الأدنى من درجات المسئولية الدينية والقومية، وقبلت أن يتحول القطاع إلى سجن كبير محروم من كل أسباب الحياة واستمرارها إلا الارادة الحرة والإيمان الكبير والمطلق بالحق والانتماء والمواطنة، نعم إنها مأساة حقيقية، أن يتحول الحكام العرب إلى وسطاء يحملون إرادة العدو ويسعون إلى سحق ارادة الأمة تحت ذريعة ماأُنزل بها من سلطان اسمها«السلام» تصوروا أنهم يعلنون ويكررون شعاراً لا أدري جذره ومعناه«الأرض مقابل السلام» شعاراً يحمل كل معاني الاستلاب، حيث يعني أن «يتنازل» الغاصب بأرض لإقامة دولة فلسطينية معزولة الارادة والسيادة والسلاح.. هكذا هي اللغة المستعملة والتي تدل على تسليمهم الكامل واستسلامهم الخانع لإرادة الغاصب وإلى درجة أنهم يعتبرون إقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطينية تنازلاً من الكيان الغاصب، وقد يظهر المفسرون والمحللون فيقلبون المعنى ويقولون إن التنازل سيأتي من الفلسطينيين.. ومع هذا التفسير المقلوب كيف نقبل مثل هذا؟ لماذا نقبل تثبيت الكيان المزروع اصطناعياً في جسد الأمة بذريعة ماأُنزل بها من سلطان. برقية: هنيئاً للأمة العربية احتفالها بذكرى ثورة يوليو، وهنيئاً لكل عربي حر وشريف يحتفل بهذه الذكرى، من باب الاعتزاز بهذه الذكرى ومعها ذكرى التأميم، والتأكيد على أهمية الارادة الحرة والقرار المستقل وبالمقابل نقول للحكام ادرسوا تجربة التأميم للقناة بمصر والنفط بالعراق وتبينوا نعيم الارادة الحرة ،وسلام السيادة ورخاء القرار المستقل، والأمن الشامل الذي تصنعه الذات الحرة.. والله من وراء القصد.