في الوقت الذي يعاني فيه مجتمعنا العربي من مشكلات حياتية يومية ضرورية كأزمة الخبز في مصر، والوقود في الأردن، وحصار غزة وتوقع اندلاع حرب بين ايران وأمريكا بشأن البرنامج النووي الإيراني. في هذا الوقت ومع كل تلك المصائب التي تكفي إحداها لشغل بال الناس تظهر علينا مسلسلات وردت من الخارج تحمل أفكاراً وعادات غريبة على مجتمعاتنا الإسلامية وهي تؤصل لمفاهيم إذا قُدر لها النجاح فإنها ستكون بديلة عن عاداتنا ومفاهيمنا، فقد سبق قبل سنوات مسلسل «كاسندرا» و«ماريا مرسيدس» المكسيكيين، وهذه الأيام يعرض مسلسل تركي باسم «نور» وما أدراك مانور. يعتقد البعض أن تركيا بلد إسلامي وهو كذلك، غير أن الإسلام وعاداته لم يظهرا في هذا المسلسل مطلقاً وإنما ظهرت مفاهيم وتقاليد غير إسلامية كرستها العلمانية التركية وفُرضت فرضاً على الأتراك ، وكان من تأثير هذا المسلسل أن وصلت الأمور إلى الطلاق بين أزواج حديثي الزواج فقد حصل في بلدنا أكثر من حادثة طلاق منها اثنتان في حضرموت وفي تعز واحدة وغيرها، وهذا التأثير ليس في اليمن وحدها وإنما تعدى ذلك إلى مصر، حيث تقوم معركة فقهية في مسألة جواز الصلاة بالقميص الذي عليه صورة «مهند» بطل المسلسل أم لا.؟ والسؤال الذي يقفز إلى ذهن أي عاقل.. ما السبب؟ جزء من الإجابة جاء في مقال لأستاذنا الدكتور النهاري في ظلاله، حيث عزا ذلك إلى افتقار الأسرة اليمنية إلى اللمسة الرومانسية في العلاقات الزوجية حيث تغلب على هذه العلاقة نظرية «سي السيد» وهي مشكلة قائمة فعلاً. أما السبب الثاني فهو تقديم صورة للحياة الوردية التي يعيشها الممثلون وتتناقض كلياً مع واقعنا المر، والتأثر بالمسلسل يكون بالهروب من هذا الواقع إلى ذاك. وهناك سبب ثالث يتمثل في تضخيم الإعلام الذي ينقل أخبارهم بكل تفاصيلها مثل «ابطال المسلسل يزورون دبي» وتعلق الشباب والشابات بهذه الأخبار ومحاولة تقليد هؤلاء الممثلين في ملابسهم وطريقة تسريح الشعر والحركات وهذه ليست ظاهرة هذا العقد فقط فقد استحوذ «الفيس برسلي» في أيامه على عقول المراهقين حتى أصبح زيه وملابسه موضة وكذا الجمال مع مايكل جاكسون، وكانت تسريحة شعر الأميرة ديانا موضة الثمانينيات من القرن الماضي، ولاتزال وسائل الإعلام تنفخ لنا نماذج يقتدى بها الشباب وقد سبق فيلم «التيتانك» في تأثيره من حيث الرومانسية غيره في الوقت الحاضر. ولكن هل نتوقع أن تقف مثل هذه المسلسلات والأفلام أو أننا نستطيع التحكم في الأطباق الطائرة والأقمار الصناعية لحماية أبنائنا من مثل هذا الغزو الخطير؟ الجواب بالتأكيد لا. إذن فالحل أولاً بيد الأسرة التي تستطيع أن تتحكم في مشاهدات الأبناء من البرامج التلفزيونية، فالقنوات الفضائية تضخ لنا الغث والسمين وليس القنوات الفضائية وحدها من تشكل خطراً وإنما يوجد الانترنت وهو شبكة أخطر بكثير من هذه القنوات، وعلى كل حال يلزم المشاهد أن يشرك عقله مع عينيه أثناء المشاهدة وأن لا يزدري نعمة الله التي هو فيها، فالديكورات الفخمة والقصور الفارهة كلها تمثيل في تمثيل. المطلوب أيضاً من إعلامنا العربي أن يعرض بدائل يمكن أن تجعل الشباب ينجذبون إلى شاشاتهم كمسلسل «رأفت الهجان» و«ليالي الحلمية» وغيرها وهم قادرون على إنتاج مسلسلات هادفة جذابة إذا اشترك القطاع العام مع الخاص في ذلك بعيداً عن الهدف الربحي البحت. ختاماً أقول: إن هذه البدعة ستنتهي وسيفيق السكارى والمدمنون عليها ولكن يجب أن لا ننتظر حتى يأتي ذلك اليوم فالمثقفون والأكاديميون وأجهزة الإعلام والصحافة مطالبون بالتصدي لهذه الظاهرة وغيرها من الظواهر الفاسدة وايجاد البدائل المفيدة للشباب وحمايتهم والسعي لإعادة برمجة عقول الشباب وفقاً لحاجات الوطن وتقاليده.