نجح الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف في حفظ كرامته الرئاسية بعد ضغوط شديدة من قبل المعارضة لتنحيته عن طريق محاكمته، فقرر التنحي بنفسه ليتجنب هذه المحاكمة ويجنب بالتالي إدخال البلاد في دوامة من الصراعات لا تنتهي، خاصة أن باكستان بيئة خصبة لانفجار حروب أهلية عدة؛ حيث الصراعات السياسية على أشدها بين الأصدقاء والأعداء على السواء.. ويبدو أن مشرف استشعر خطورة الموقف إذا ما واصل سياسة تمسُّكه بالكرسي الذي ظل عليه لتسع سنوات ماضية، كما أن حلفاءه الرئيسيين، وبالذات الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأوا يرفعون عنه الدعم السياسي الواضح بالتلويح أن واشنطن لا تدرس فكرة منح مشرف حق اللجوء السياسي. مراقبون اعتبروا موقف مشرف متناغماً مع موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لا تريد أن تدخل في مواجهات مع الحكام الجدد، وتريد إكمال تعاونها معهم في حربها على ما يسمى الإرهاب وعلى القاعدة وطالبان في أفغانستان، وهي مستعدة للتضحية بمشرف على أن تضمن له مخرجاً "مشرفاً" حتى لا يتحول دعمها له إلى مشكلة مع الحكام الجدد في المستقبل، ولهذا فإنها نصحت مشرف بتقديم استقالته بعد أن شعرت أن سكين المعارضة صارت على رقبته. موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس جديداً؛ فهي مع الحكام الأقوياء ولو كانوا فاسدين، إذا كان هؤلاء سيلبّون لها مصالحها وقتما تريد، وهي ليست مع الحكام الذين يقفون في وجه مصالحها حتى لو كانوا "أطهر من الطهارة نفسها". الحكام العرب وغير العرب المتحالفون معها يعلمون جيداً أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي من تقرر مصائرهم، لهذا فإن هؤلاء الحكام يمدون لواشنطن أيديهم باستمرار، حتى لو كانت على حساب مصالح شعوبهم، الأهم أن ينالوا رضا البيت الأبيض. ورأينا نموذج جورجيا عندما اعتقد الرئيس ساكشفيلي أنه قادر على خدمة واشنطن ضد روسيا في منطقة القوقاز؛ لكنه أخطأ الحساب فلم يجد من واشنطن سوى التصريحات الإعلامية وجزء من المعونات الإنسانية. إن درس مشرف في باكستان ودرس ساكشفيلي في جورجيا دليل على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي آخر نظام يمكن الوثوق به، وليدرك العرب أن مستقبل شعوبهم مرتبط بالتخلص من قيود هذا النظام الذي يحمي مصالحه لا مصالحهم. وليدرك العرب أن مستقبلهم مرتبط بالتحرر من وهم الحماية الأمريكية، لأن واشنطن إذا أرادت التخلص من أحد الأنظمة ستعمل على التخلص منه بسهولة، إما تحت يافطة غياب الحرية والديمقراطية أو تحت يافطة الجوانب الإنسانية. ويبدو أن السكين الأمريكية ستظل مصلطة على رقاب العرب متى ما بقي الزعماء العرب متشبثين بكراسيهم، والخوف أن ينتقل هذا الموروث إلى من سيرثهم في الحكم في المستقبل ليبقى مستقبل العرب مرهوناً بأيدي الأمريكيين مدى الحياة.