الاستراتيجية الأمريكية المتسارعة في تدويخ روسيا لم تقف عند تخوم أوروبا، ولا التلويح بنشر الدروع الصاروخية في فناء روسيا الخلفي، ولا حتى للتدخل السافر في دول جنوبروسيا، بل اقتربت أكثر لتتاخم روسيا في خصرها، ولتحاول زرع مسامير قاتلة في جوانب الاتحاد الروسي العتيد، مُتناسية أن الاتحاد الروسي واحد من أكثر الاتحادات العالمية تطوراً ومرونة، ففي هذا الاتحاد عدة جمهوريات مُستقلة، وبعض جمهوريات ذات حكم ذاتي، وتعتبر الطوعية والعلنية أصلاً أصيلاً في تعامل روسيا مع القوميات المختلفة، وبالمقابل تحرص روسيا على التعامل الإنساني مع الأقليات القومية في البلدان التي خرجت من فلك الاتحاد السوفيتي مُراعيةً مسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية تجاه ماضيها القريب ، فروسيا شكّلت قلب الاتحاد السوفيتي، وقومياتها الحالية امتداد لذات القوميات التي كانت في الاتحاد السوفيتي، وروسيا هي التي قبلت ذات يوم باستقلال لاتفيا وليتوانا دون جعجعة وصراخ ، وهي السبب الجوهري في السماح بتفكيك الاتحاد السوفيتي لصالح الرغبات القومية، وترى روسيا أن يكون للقوميات الصغيرة في بلاد الجوار حق تقرير المصير إذا استشعروا غبناً وتمييزاً، وهذا الأمر لايتعلق بأوستيا وأفخازيا الجورجيتين فقط ،بل كل القوميات التي قد تتعرض لشكل من أشكال التمييز القومي الشوفيني، والمضحك المُبكي في الموقف الأمريكي الراهن تجاه المسألة الجورجية أن أمريكا التي كانت داعية صاخبة لاستقلال ليتوانيا ولاتفيا، ولاحقاً انفصال تشيكيا على سلوفاكيا، ثم تقسيم يوغوسلافيا السابقة على أُسس قومية دينية هي ذاتها الرافضة لأي استقلال ينطوي على تشجيع روسي، كما هو حال أفخازيا وأوسيتيا.. إنها سياسة الكيل بمكيالين. والجديد الأجد في أمر اليمين الجورجي أنه تهوّر حد استدعاء الخبراء العسكريين الإسرائيليين ليشرفوا على تدريب الجيش الجورجي، ثم الاشتغال على مشروع تجييش أمريكي إسرائيلي انتبهت له روسيا ونبّهت منه دون جدوى ، وإلى ذلك قامت السُّلطات الجورجية اليمينية بقمع مواطني أوسيتيا وأفخازيا ، وبهذا اكتملت دوائر الوهم الأمريكي الإسرائيلي ، واكتملت أيضاً وبالمقابل المبررات الحقيقية لتدخل روسي يتوخّى تقديم رسالة ناجزة للجميع وفي المقدمة الإدارة الأمريكية، ومن يسير على دربها ضد منطق التاريخ والجغرافيا