أخيراً حلّ علينا الشهرالكريم، فقد أثقلت كواهلنا الذنوب، وما أحوجنا لشهر مغفرة ينزع عنا الآثام، ويصفد شياطين الإنس والجن، ويشرح الصدور للوئام والمحبة والسلام بعد أن ضاقت ذرعاً بما فاضت من غلّ.. ربما سنضطر هذا العام إلى استهلال شهر الغفران بالدعاء بأن يكبل الأحزاب بالأصفاد قبل أن تعكر علينا صيامنا، وتكدر نفوسنا بخطاباتها، وتصريحات قياداتها التي ما انفكت توصد كل سبيل للرحمة أمام الناس، وتقطع طريق كل أمل أو رجاء، وتعتم أفق الحياة أمام كل نظرة تفاؤل، وتكفر بالنعمة كل صباح ومساء، وتجحد كل فضيلة في هذا البلد، كما لو أنها لم تسمع من قبل قوله تعالى: «لئن شكرتم لأزيدنكم»! أتساءل: إن كانت الأحزاب ستصوم هذا العام، وتنتهز انبلاج صباحات الرحمة والمغفرة لتكفّر عن ذنوبها التي اقترفتها بحق هذا الشعب المسكين الذي تتقاذفه من أزمة إلى أزمة أشد لتزداد هي ثراء، وهو يزداد فقراً..!؟. لتستغفر على ذنوبها التي جنتها ببذخ المليارات على اللافتات، وصور زعاماتها، ومهرجانات السباب واللعن والتشطير والفتنة بينما مئات الآلاف من الأسر الفقيرة لا تجد قيمة رغيف، ولم تتذوق بضع غرامات من لحوم الموائد التي تقيمها عقب كل مهرجان أو مسيرة..! فهل بين هذه الأحزاب من سيفكر بأسرة فقيرة فيدفع لها قيمة لافتة قماشية واحدة من تلك التي يرفعونها بأحد شعارات الفتنة..!؟ أم أنهم سيفضلون المتاجرة بأوجاع الفقراء والمساكين بألسنتهم وليس بجيوبهم!؟ وهل سيجرؤ أحد فصحائهم المدمنين على فن الخطابة على الحديث للناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وبأمور دينهم، وعن مكارم الأخلاق، وفضائل الصوم، والتكافل، والمؤاخاة، وصلة الرحم، أو أي أمر نافع يثبت صيامهم، ويهذب أخلاقهم، ويرفعهم لدى خالقهم درجة!؟ أم أن هذا الخطاب لم يدخل قواميسهم، لا يليق لمن مثلهم الخوض فيه - حتى ولو في الشهر الكريم فقط!؟. يا ترى هل تجيد الأحزاب الصوم في رمضان، والترفع عن المناكفات، والتراجم بالأكاذيب، والنفاق، والحنث بالأيمان على قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، أم لا فرق لديها بين رمضان وغيره من الأشهر «فكلها أيام الله»!؟ ألا يجدر بالذين يتحدثون باسم الشعب أن يمدوا أيديهم إليه في هذا الشهر الكريم ليخففوا عنه تكاليف المعيشة، وليثبتوا للناس أنهم ليسوا (ألسنتهم معهم، وسيوفهم على أعناقهم)! ما الذي ستخسره الأحزاب لو بادرت إلى إعلان تجميد أنشطتها الحزبية خلال شهر رمضان، والتفرغ لوعظ الناس، وهدايتهم إلى الفضائل، وأعمال البر والصلاح، وتعميق الإيمان في نفوسهم، وتحصين الشباب بتقوى الله، وإشاعة قيم المحبة والسلام في المجتمع، واجتثاث الكراهية والأحقاد من صدورهم!؟ أليس مجتمعنا بحاجة إلى هذه الأمور بنفس قدر حاجته لرغيف الخبز!؟ أليست المسئولية الإنسانية قبل الوطنية تحتم على الجميع الإتيان بمثل تلك الأعمال، وبناء المجتمع القوي بإيمانه، وليس بشعاراته!؟ ومن سيأخذ بيد هذا الشعب إذا كان الجميع منهمكين بالصراع على الكرسي، والسلطة!؟ فيا من تستهلون خطاباتكم وبياناتكم بآيات من القرآن الكريم، هل لكم أن تتذكروا أن رمضان هو الشهر الذي تنزل فيه القرآن على سيد الأنام المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، فتخلدوا إلى السلام والسكينة وتذكروا الله أكثر مما تذكرون أنفسكم وأحزابكم.. وهو القائل: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)! ... رمضان كريم، وكل عام وأنتم بخير..