التنكر للقبيلة ضرب من المستحيل لأنها المكون الأساسي للمجتمع ، كما أن إدماجها في الحياة العصرية خلال زمن قصير أيضاً شبه مستحيل، غير أن عدم بسط هيبة الدولة على القبيلة قد يجعلها أهم عناصر إفساد حياة الدولة وتقويضها! في حقب ماضية لم يكن أمام الدولة اليمنية غير مجاراة القبيلة في بعض أعرافها ، لأن الاهتمام كان يصب في تعزيز الوحدة الوطنية وانتشال الوطن من الشتات والتمزق.. إلا أن التحولات التي شهدتها اليمن في الحياة السياسية ،وماصاحبها من تطلعات وبرامج لبناء دولة مؤسسية حديثة قائمة على اللامركزية أوجدت حاجة ملحة لفرض سيادة القانون باعتبار ذلك مرتكز أي دولة مؤسسية ، وضمانة أي حياة ديمقراطية.. وهو مايفترض تراجع دور القبيلة خاصة في ظل وجود حكم محلي. إن المؤشرات الحالية لوضع القبيلة في اليمن لاتتفق وماهو مفترض ، بل إنها في الآونة الأخيرة باتت تمثل ظاهرة خطيرة جداً ينبغي على السلطات تداركها خاصة وأن كثيراً من ممارساتها صبغة سياسية مناهضة للمسار العام للدولة حتى وإن كانت تتخذ تأثيراً غير مباشراً.. فالفوضى التي تتطلع إلى جر اليمن إليها بعض القوى السياسية الداخلية أو الخارجية ، وكذلك الممارسات التي تستهدف إضعاف هيبة الدولة ، وتشجيع التمرد على سلطاتها وقوانينها ، وأجهزتها أصبحت القبيلة هي اداة تنفيذها ، بعد أن اخفقت بعض القوى السياسية في الإتيان بها ، نظراً لما يمكن أن يترتب من تداعيات تمس مراكزها السياسية ، وأوضاعها القانونية. اليوم يدور في الشارع اليمني حديث وجدل طويل حول ماتمارسه قبيلة «بني ضبيان» من انتهاكات قانونية صارخة ، وبمنهجية الخطف التي كانت قد تجاوزتها اليمن منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي وحتى قبل فترة ليست بالبعيدة .. فخلال أقل من عام سمعنا بقيام هذه القبيلة باختطاف مهندسين في مشاريع الطرق ، ثم اختطاف نجل رجل الأعمال توفيق الخامري ، وأعمال بسط على أراض مختلفة بينها أرضية تابعة لجامعة الملكة أروى ، وغيرها من القضايا. وبطبيعة الحال فإن الطريقة التي يتحدث بها الشارع عن مثل هذه الأحداث تختلف كثيراً عن التي نطرحها ، لأن هناك من يستثمرها للإساءة للدولة . إن الأمر لايتوقف عند قبيلة معينة بل إن الدور السلبي للقبيلة ظهر بقوة مؤخراً في شبوة ، ومأرب ، وإب ، وحضرموت ، وتعز وغيرها من المدن التي تردنا منها أنباء عن حوادث قطع طرق واختطاف سيارات وقاطرات تابعة لشركات استثمارية ، فيما تتكرر حوادث تبادل إطلاق النار مع أجهزة الدولة الأمنية.. ومن هنا يمكن القول إن المخارج «العرفية» شجعت آخرين على التمادي ، وفسحت المجال حتى أمام قوى سياسية مختلفة لترسيخ هذه الثقافة ، واستغلالها في تأليب بعض الأطراف القبلية على افتعال المشاكل مع الشركات الاستثمارية بقصد تعكير مناخ الاستثمار ،وكذا مع مؤسسات حكومية خدمية لإرباك عملها ،والحيلولة دون تنفيذ الإصلاحات التي تباشر بها.. إن من شأن كل ذلك خلخلة الاستقرار والسلم الاجتماعي ، وتعطيل مصالح مختلف الجهات ،وبالتالي فإن أي حزم حكومي لتطاول القبيلة على القانون وهيبة الدولة سيسهم كثيراً في تخفيف التوتر الداخلي وردع كل من تسول له نفسه محاكاة فعل الآخرين.. والأهم من ذلك هو استعادة ثقة المواطن بالقانون ، وبالدولة كمرجع وحيد في تحقيق العدالة والأمن والسلام.