في رحلتي الأخيرة إلى المكلا قررت أن أتوجه من صنعاء عبر مدينة البيضاء . وعبر عقبة ثرة . نزولاً إلى الطريق البحري الجديد الذي يربط محافظة ابين بشبوة ومن ثم حضرموت . وصولاً إلى المكلا عاصمة محافظة حضرموت وهي النقطة الاخيرة في مسار رحلتي. منيت نفسي أن أرى مدينة البيضاء بعد طول زمن ليس بقصير ، من أول رحلة قمت بها قبل اكثرمن خمس عشرة سنة وفي نفس الطريق ، وبصراحة منيت نفسي وأنا الشغوف لرؤية كل آثار بلادي إن سنحت لي الظروف في مشاهدتها أن أشاهد هذه المرة شيئاً جديداً مجدداً.. كنت احلم ومن معي في السيارة أن أرى جامع العامرية . بعد التجديد الذي جرى له وهذا السبب هو الذي جعلني أغير في مسار طريقي لأنني أحس بأني الأَولى في مشاهدة آثار بلادي - وأنا الشغوف لمشاهدتها- من غيري من الإخوة المتتبعين للمعالم والآثار . عزمت وتحركت بالسيارة التي استأجرتها من صنعاء وعبر ذمار وبعد ذلك تهتُ ولم اعرف أين أنا وأين المسار الصحيح ، اضطررت أن أقف كل فترة من الزمن لأسأل: هل أنا في الطريق الصحيح إلى البيضاء.؟ ولك أن تتخيل وضعاً كهذا في زمن كهذا الذي نعيش ! بعد دخول خدمة الانترنت والهواتف النقالة والطرق المسفلتة والكهرباء بفولتاتها العالية والمنخفضة بعد كل ذلك لم تصل إلى مناطقنا خدمة اللوحات «اللافتات» التعريفية والارشادية في الطرق.. شيء مضحك ومحزن ومؤلم في نفس الوقت . وصلت إلى رداع ولم أكن اعرف أن جامع العامرية موجود في رداع كما تخيلت . وفي الأساس لم أجد من يرشدني من اللوحات الارشادية إلى وجود جامع العامرية في رداع وإلا كنت قد توقفت لزيارته وتحقيق الحلم الذي من اجله غيرت مسار طريقي هذه المرة .. استمررت في سيري وأنا كلي شغف في الوصول إلى مدينة البيضاء التي مررت فيها قبل أكثر من خمس عشرة من السنين ,وبعد أن وصلت البيضاء. وهنا لم اعرف أنني في البيضاء إلا وفق بعض الحدس لدي وبعض التوقعات وبعض لوحات الفنادق وهكذا تقدير.. الشارع العام الرئيسي في مدينة البيضاء شارع كبير واسع يبدو أن الدولة قد أفرغت مبلغاً كبيراً من المال لتنفيذه حيث يبدو جميل التنسيق في بداياته وجميل فيه شكل الأعمدة الكهربائية. وجميل منظره في الأول . وإلى هنا قف أخي القارىء .. فالجمال هنا سيضمحل بعد أن ترى ماتراه من عبث .. كل ذلك الجمال ينتهي هنا في نفس الشارع المذكور . فستجد الاتساع في الشارع قد انتهى في وسطه وبالكاد تجد مكاناً لعبور سيارة , فالشارع نفسه يتنافس عليه أصحاب الورش . وكل من يبيع أي شيء في سيارته . ومالكو العربات لبيع الفواكه والقات .وتكتمل الصورة السوداء بتجمع أكثر من عشرة من رجال المرور في نقطة واحدة دون أن يغيروا أي شيء مما ذكرت, وكأنهم ليسوا هنا وليس لديهم أعين. بل والمضحك المبكي أن ترى سيارة المرور ودراجة المرور تمر ولا تعير أي اهتمام لكل ذلك المنظر.!! مرافقي في السيارة قال: كان على الدولة أن تغير اسم المحافظة وتستبدله بلون غير اللون الأبيض فهي لا تستحقه!! استمررت في طريقي وبصعوبة بالغة . وأكاد اجزم أن الوضع لازال مثلما هو حتى قراءة هذا المقال. وبصراحة اشك في التغيير .. وبعد جهد جهيد استطعت أن أتجاوز عنق الزجاجة في الشارع العام الكبير الصغير في مدينة البيضاء ولم اعد متحمساً لرؤية جامع العامرية وفرحت أنني اجتزت ذلك الشارع وفي نفس اللحظة طرحت على نفسي سؤال: هل يمر المحافظ من نفس الشارع !؟ أكملت طريقي على أمل الوصول إلى عقبة ثرة وبعد حوالي عشرين من الكيلومترات .وبعد أن صليت الظهر في احد المساجد على الطريق سألت احد المصلين عن صحة طريقي فإذا به يفاجئنا: أنت في الطريق إلى يافع وليس إلى عقبة ثرة . عليك العودة للبيضاء وعشرين كيلو متراً آخر . كان يوما تعيسا بالنسبة لي . والأتعس أنني سأعود إلى نقطة الازدحام في وسط البيضاء ولم تكن بالنسبة لي تلك المدينة بيضاء فعلاً , وعدت بنفس الصعوبة والمشقة . وإلى جانب رجال المرور العشرة وأظنهم في هذه النقطة فقط يتبادلون الآراء وليس يؤدون عملاً , بصراحة لم أكن أتصور أن يكون وضع البيضاء وصورتها بهذا الشكل فهناك تسيب وإهمال ومشاهد غير حضارية يلمسها كل من يدخل تلك المدينة وفي أهم شارع فيها هي المدينة التي تحمل تاريخا كنت أود أن اكتشف بعضه . اذا كان ذلك حال الشارع الرئيسي في البيضاء فما حال البقية !؟ فأين هو البياض في محافظة البيضاء؟!