بعد سبع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ترسخت قناعة العالم أجمع بأن العنف لا يولد غير العنف الآخر، وأن على البشرية ان تبحث عن لغة تفاهم مشتركة بعيداً عن البارود والرصاص إذا ما أرادت ان تحيا بسلام وتطمئن على مستقبل أجيالها. لكن من المهم جداً عند مراجعة أحداث الحادي عشر من سبتمبر ان نتفادى تلقين اجيالنا مفاهيم خاطئة تعتبر ما شهده العالم عقب احداث سبتمبر بمثابة عنف مضاد لذلك الذي اظهرته «القاعدة» تحت شعارات دينية إسلامية، لأن الحقيقة المؤكدة عبر مختلف مراحل التاريخ هو ان ظهور التنظيمات الموصوفة ب«الجهادية» لم يكن سوى ردة فعل على عنف القوى الامبريالية العالمية، وسياساتها الاستبدادية التي مارستها بحق العالم العربي والإسلامي سواء بصفتها كقوى احتلال، أو كقوى كبرى طاغية ! فالتنظيمات الجهادية كالقاعدة وغيرها وجدت في ما تمارسه بعض الدول الكبرى كالولاياتالمتحدة مبرراً لوجودها وكسب المناصرين لتنظيماتها، وكذلك الدعم المادي، والتعاطف المعنوي معها، ولتحريف بعض العقائد الدينية والاحتماء تحت مظلتها، حتى كبرت واستشرت وباتت بالقوة التي اهلتها لمهاجمة القوة الكبرى في العالم الولاياتالمتحدة يوم الحادي عشر من سبتمبر. إن «القاعدة» وغيرها من التنظيمات الإرهابية روجت لنفسها من خلال المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان وغيرها من بقاع المسلمين، كما انها عززت القناعة لدى الناس بضرورتها من خلال الدعم الأمريكي اللامحدود لاسرائيل وانحياز المجتمع الدولي لليهود الصهاينة رغم كل الأذى الذي يطال المسلمين على مرأى ومسمع العالم أجمع.. كما انها في فترة من الفترات كانت موضع رعاية ودعم الولاياتالمتحدة نفسها التي استغلت نفس المبررات «الدينية» لتجنيد أسامة بن لادن، وآلاف المقاتلين المسلمين في حربها مع الاتحاد السوفيتي، من غير تفكير بخطورة الثقافة «الجهادية» على مستقبل السلام العالمي. وعلى الرغم من التفسير الذي روجت له وسائل الإعلام المختلفة بأن ما يشهده العالم اليوم من اضطرابات وعنف هو ردود أفعال على احداث سبتمبر، وليس مواصلة لمسلسل العنف والعنف الآخر الذي مارسته الولاياتالمتحدة وغيرها من القوى الاستعمارية، فإن مظاهر البطش الأمريكي بالعالم الإسلامي، وغرور البيت الأبيض بإنجازاته الحربية العدوانية في افغانستانوالعراق ومن ثم التمادي في السياسة الابتزازية للحكومات الإسلامية.. ذلك كله ولد مزيداً من الكراهية والعدوانية ضد الولاياتالمتحدة، وجعل مصالحها وافرادها موضع استهداف من القوى المتشددة في شتى بقاع العالم، بل انه ينذر بكوارث أشد ايلاماً من احداث سبتمبر على ايدي الشعوب المظلومة. ربما على الجيل الأمريكي الحالي عمل شيء ما لإنقاذ جيل المستقبل من الكوارث.. وعلى صناع السياسة الأمريكية تصحيح سياستهم القائمة على العنف عاجلاً وليس آجلاً، حيث إن حكومات العالم الإسلامي لم تعد قادرة على اقناع شعوبها بالتعايش الإنساني والحوار الحضاري مع الأمريكان، لأن هذه الشعوب ترى بأم عينها ما يفعله الأمريكيون في العراق من مجازر، وانتهاك كرامات إنسانية، ونهب للثروات وحرب ضد التاريخ والحضارة.. فمن هذا الذي يجرؤ على اقناع أي طفل عربي بأن أمريكا ليست وراء ما يحدث في فلسطينوالعراقوافغانستان ولبنان والسودان.. فكل الجرائم ممهورة بعبارة «صنع في أمريكا»