إن الثورة بكل تفاصيلها السابقة والمصاحبة واللاحقة وتوزعها بين الأرض والإنسان، الفلسفة والأبعاد، التاريخ والدوافع والمشروعية، التضحيات المادية والمعنوية، كل ذلك من أجل تغيير وعي الإنسان وتفكيره وسلوكه ومعيشته، بل تغيير خارطة الحياة الوطنية برمتها. نصف قرن من عمر الثورة اليمنية 26 سبتمبر و 14 أكتوبر وأراه مناسباً لكي نخضع تلك المسافة الزمنية التي تفصلنا عن لحظة الميلاد للتقييم والمراجعة، وتحليل الأخطاء والانكسارات وحالات التأزم، ومن ثم قياس نسبة التغيير الفعلي والحقيقي في وعي وعقلية الإنسان اليمني، بدون مبالغات أو إجحاف، وانعكاس ذلك الوعي في التنمية الاجتماعية والوطنية سلباً وإيجاباً. علينا ألاَّ ننزعج أو نخجل إن تبدت عيوبنا وظهرت الأخطاء، ففي ذلك حافز كبير للعمل بجدية وتحليل ومعرفة الأسباب والعوامل التي أودت بنا وبمؤسساتنا إلى تلك الأخطاء، وكيف استساغتها حياتنا اليومية، وتحولت مع مرور الزمن إلى معاناة اجتماعية، تلاحق تفكيرنا، وتعيق تنميتنا الوطنية وإصلاحاتنا المؤسسية. مجرد الاعتراف بعثراتنا واخطائنا ومن ثم الوقوف بجدية وحزم أمامها، ووضع الحلول الموضوعية والمناسبة لها، سيعيدنا جميعاً إلى المسار الصحيح والتكامل المثمر، سيمكننا في المقابل من تجاوز أية أخطاء أو انكسارات قد تعترضنا وتعيق عملنا المؤسسي حاضراً ومستقبلاً. ما من شك بأن جذوة الثورة اليمنية ما زالت وستظل مستمرة، تقود عملية التغيير الاجتماعي والنوعي في وعي وتفكير وسلوك الإنسان اليمني، حتى تؤتي ثمارها كاملة وناضجة لتحول بين الوطن والعثرات والمشاكل الداخلية، مثل ما حدث في صعدة وقبلها في المناطق الوسطى والجنوبية، وما تمارس من أعمال تسيئ للإنسان اليمني، وتضر بسمعة واقتصاد وتنمية اليمن كخطف السياح وقطع الطرق ومضايقة الشركات الاستثمارية وقتل المستأمنين وتنفيذ العمليات الإرهابية الدموية والبشعة أو الدعوة إلى الشتات والفرقة والكراهية. ماحدث ويحدث من فساد وعبث وسرقة للمال العام وتخريب مسار التنمية بتنفيذ المشاريع والمرافق والطرقات بدون مواصفات ولا تمت للضمير بصلة، وتكبيد خزينة الدولة الخسارات وقطع الطريق بهذه الوسائل الخبيثة أمام وصول الثورة إلى كل قرية ومنزل، اشترك في هذا الجرم المقاولون والمؤسسات المسلِّمة والمستلمة، وصور ومشاهد أخرى كالخروج على الدولة، وعدم احترام القانون، كل ذلك يؤكد لنا أن الثورة ستظل مستمرة. لابد من توازي ثقافة الثورة والدولة، وغرس قيم ومفاهيم المجتمع المدني باعتباره الطريق الأوحد لبناء الدولة اليمنية الحديثة، القوية بقانونها ومؤسساتها الوطنية ووعي وممارسات أبنائها.