لابد أن تقترن الثقة بالكفاءة، فالثقة وحدها لا تكفي، كما أن الكفاءة وحدها لا تكفي، والمسؤول الذي يصدر قراراً لإنسان ما في وظيفة ما لابد أن يعرف تماماً أنه ولي أمر؛ وأن الواجب الشرعي يحتم عليه أن يختار للوظيفة كما يختار زوجاً لابنته. وليس من شك أن كثيراً من الذين وُظفوا في مراكز حساسة وغير حساسة لم يكونوا عند حسن ظن الذي وظفهم وأسند إليهم سطوة الأمر وشرعية القرار، فهؤلاء ليسوا أهلاً لتجربة ثالثة ورابعة وخامسة؛ حسبهم أولى وثانية. وذات مرة قال أدولف هتلر لعشيقته أو صديقته «جوزفين» أقترح أن أعيّنك وزيرة أو محافظة لولاية من ولايات «الرايخ»!. قالت له: سيدي الكريم، حسبي أنني حبيبتك، حسبي أن تركع عند قدمي كل مساء، فأنا أشعر أنني سيدة الامبراطوريات وملكة الملكات، وأخطر القيادات. إن الكفاءة شرط أساس من شروط المناصب العليا والدنيا خاصة إذا كان هناك صلاح وحسن سلوك، فالأوامر والنواهي سوف تصدر عن ضمير حي وإيمان يوجب العدل والمساواة والخوف من العلي القدير. ثم إن الإيمان والتقوى والخوف من الله لا يكفي للوظيفة فلابد من حنكة وشجاعة وجرأة في اتخاذ القرار ونباهة لنميز بين الصالح والفاسد وحسن الإدارة وتقدير العواقب. وقد كان سيدنا الصحابي الجليل أبو ذر من خيرة أصحاب سيدنا الكريم وأشرف الخلق عليه الصلاة والسلام؛ فلما أن جاء الرسول الكريم يطمع في ولاية أو منصب من مناصب الحكومة الإسلامية تلطف إليه الرسول الكريم وقال له بلهجة فيها النصيحة الحازمة: إنك لا تصلح للولاية، لما كان فيه من رقة بادية وسماحة واضحة، وإنما تكون الإمارة بالعزيمة وبالشدة في محلها والضعف واللين في محلهما!!. إن العمل المؤسسي إذن لا يسير حسناً ولا يطير إلا بجناحين، الكفاءة والثقة، وكلاهما تؤهلان مجتمعاً عادلاً وإدارة ممتازة متميزة، وكان الله في عون حاملي الأمانة.