يقول الأستاذ هيكل: إن هناك فرقاً بين الموظف السياسي وصانع القرار السياسي. أما الأول، فإنه يظل متلقياً لا ينجز شيئاً إلا بإذن، ولا يصدر عنه قرار إلا بأمر. غير أن الثاني هو الذي ينجز الأمور وفق أكاديميته ورؤيته التي لا تتقاطع، بالطبع، مع قرارات وطنه. وقد عرف ما يُسمى ب«الوزير المفوض» الذي من حقه فيما يبدو أن يتخذ قراراً فورياً دون الرجوع إلى السفير أو وزير الخارجية. وقد أصبح الموظف السياسي شائعاً في مجالات كثيرة لا في الخارجيات العربية وحسب وإنما في كل مرافق الدول العربية، ولو كان في منصب كبير، فلابد أن يعود إلى الأعلى رتبة مهما يكن خبيراً أو ضليعاً. والسبب هو عدم وجود ديمقراطية حقيقية في كثير من المجتمعات من ناحية، وعدم وجود ثقة بهذا الموظف أو ذاك، إما لأنه لا يفهم؛ أو لأنه ضعيف؛ أو لأنه انتهازي؛ أو لأنه غير واثق من نفسه. وصاحب الخبرة والقوة والثقة والشرف قادر على أن يكون صاحب قرار إذا شاء وأراد، بل هو قادر على حسب ثقة من هو أعلى منه رتبة إذا كان حكيماً، متابعاً. وللأسف، فإن كثيراً من مؤسسات الدول العربية لا تسير وفق ما تقتضيه المصالح الوطنية، نظراً لأن بعض القائمين عليها ليسوا أصحاب قرار ولا حمية وطنية، مما يسهل على الأعداء اختراق هذه المؤسسات والعبث بمصالح الأوطان. وكان لأدولف هتلر النازي الألماني الذي دوّخ أوروبا رأي في الموظف السياسي حين قال: إن هذا الموظف ربما ضيع وطنه مقابل حضن دافئ في ليلة مطيرة. غير أني - والحديث لهتلر - لا يمكن أن أغفل عن التفكير في احتلال العالم ولو كنت بأمس حاجة للحظة واحدة في حضن «جوزفين». إنني يتابع بنفس اللحظة التي أقبّل فيها أميرتي الجميلة هذه، أفكر كيف أكون أمام بوابة النصر في باريس فاتحاً. نحن بحاجة إلى صاحب القرار السياسي في كل مكان، وهذا ما طلبه الأستاذ هيكل في سياق حديثه عن حرب اسرائيل في غزة.