يقال إن ثلاثة أشياء تولد مع الإنسان ولايمكنه اكتسابها:الأمومة، والشعر، والوطنية! وإذ تعتبر هذه القيم المعنوية والثلاثية الرائعة غرائز من جنس الطينة البشرية وكريات الدم. فالوطنية كما أفهمها أكثرها حساسية وقدرة على التلاشي والذبول، ما لم تجد مايحفزها على البقاء، وينمي فيها ملكة الولاء وروح الانتماء منذ سنوات النقش على الحجر في مهد العقل وباكورة الطفولة. المسرح المدرسي وكذلك الإذاعة الصباحية،تقع على عاتقهما المسؤولية الأكبر،كونهما يخاطبان الصغار ويمثلان بيئة إبداعية قادرة على إحداث عمليات تخصيب فكري وانماء ثقافي وتوعوي لغريزة الوطنية، بشقيها المعنوي «الولاء» والسلوكي المتجسد في فعل الانتماء. قضية لابد من الوقوف عندها بأناةٍ وعمق، ففي ظل عدم الاهتمام بها وعدمها في الغالب، فإن التبعات لن تكون سهلة وعابرة وما تتجرعه من غصص الفساد الإداري والمالي وغياب للمواطنة الصالحة ك «قيمة إنسانية» وتفاؤل روح الولاء والانتماء تحت سياط الغلاء والبطالة،إنما هو نتاج طبيعي لسقوط راية «الوطنية» التي يجب علينا كآباء ومثقفين وعلى التربويين أولاً نصب ساريتها في صميم سويداء القلب لترفرف في صدر الوليد وهو مازال جنيناً في بطن أمه، لتكون له الإشراقة الأولى في ظلماته الثلاث. أتذكر هذه الشجون وأنا مازلت مأسوراً بروعة إعلان بثته قناة «السعيدة» خلال مساءات رمضان الماضي،وجاء مختلفاً فكرة وراقياً مضموناً، ولم يكن اعلاناً تجارياً محضاً،رغم أنه بظني مدفوع الأجر مقدماً.. طفل متجسد في سيماه البريئة أصالة اليمن، وفي محل ألعاب مغرية حيث اصطحبه والده إلى هناك، بدأ الطفل أكبر وأرشد عقلاً،إذ لم تغرِه ألعاب أنيقة شتى كانت معروضة على واجهات المحل وفي كل جزء منه وعادة ماتدفع لدى الأطفال الصغار غريزة البكاء والنواح إن لم يستجب آباؤهم لشراء أي من رغباتهم اللاهية.. الطفل يزيح بيده كرة ويشير إلى «نوط» لعلم الجمهورية اليمنية، كان معلقاً على صدر شميز البائع، كان النوط صغيراً في حجم ألوانه الثلاثة وكان الطفل كبيراً جداً وهو يصر على النوط بدلاً عن أي لعبة، ليتقلده على صدره ويختتم المشهد بعبارة «نعتّز بوطننا» نعتز بوطننا وبشركات الاتصالات وهي تتبنى في اعلاناتها مثل هذه الأفكار العالية والغالية.