في ظل قصور وسائل الإعلام عن احتضان كافة المبدعين الشباب في المجالات الأدبية والثقافية والاجتماعية والسياسية، ظهرت تقنية الإنترنت بمزاياها المتعددة كبديل ولعبت دوراً أساسياً في احتضان الإبداعات المختلفة. وغيّر الإنترنت حياة العديد من الشباب وخلق لدى البعض حالة من الإبداع الفكري والثقافي وساعد على اكتشاف المواهب وصقلها نتيجة الانتشار الكبير وسهولة عرض المعلومات وتبادل الآراء والتواصل الدائم . كما وفرت المنتديات الإلكترونية - وهي نوع من البرمجيات التفاعلية على الإنترنت - فسحة للكتابة والتعبير عن الرأي وباتت ملاذاً للتحدث بحرية دون قيود أو خوف، وتمكن الكاتب من كتابة وإرسال مقالاته وإبداء آرائه حول الكثير من القضايا ليتمكن الآخرون من قراءتها ومناقشتها والرد عليها عبر أسلوب راقٍ من النقاش الجاد والحوار الواعي، فالمنتديات الإلكترونية أظهرت اهتمام الشباب أكثر بواقعهم، وأكدت ارتباطهم بما يجري على المستوى الاجتماعي والثقافي والسياسي، وساعدت على بناء العلاقات الاجتماعية واختراق الحدود البعيدة عبر تقارب الآراء والأفكار ووجهات النظر، بشكل عام كانت المنتديات الإلكترونية مجالاً لتطوير الذات وإيقاظ العملاق الذي يسكن في دواخل الإنسان وكشفت عن ثلة من المبدعين ممن يعيشون بيننا وأخذوا فرصتهم في المنتديات لنثر إبداعاتهم فكان نجاحهم الأول عبر ارتياد تلك المنتديات؛ إذ تمكنوا من إثبات ذاتهم والأمثلة كثيرة لساسة وكُتاب وأدباء وشعراء ومثقفين . بما أن المنتديات منبر حر للتعبير عن الفكر والرأي والنقاش الهادف وملتقى ثقافي وعلمي وفكري وأدبي لكل قلم حر يمتلك التحليل الموضوعي والنظرة الثاقبة كان لابد من وجود ضوابط وقوانين تسير وفقها المنتديات بما يكفل حماية الحقوق والمبادئ العامة والاحترام المتبادل بعيداً عن التجريح والذم والميول للرغبات الشخصية ودون المساس بالثوابت الوطنية والقيم الإنسانية، وحتماً تلك الضوابط تختلف باختلاف سياسة المنتديات ومحتوياتها وملكيتها وتوجه أصحابها. يوجد نوعان من المنتديات منها الجادة في الطرح وأخرى سطحية تفتقر إلى المصداقية وتفرّح المهرجين والعابثين، أما مسألة الجدية والسطحية لا تعتمد بالضرورة على التسجيل بالأسماء الصريحة أو المستعارة بقدر اعتمادها على ما تتحلى به المنتديات من ضوابط صارمة ورقابة دائمة وطاقم إداري يتسم بالحزم والقدرة على المواجهة للحفاظ على نظافة المنتدى . إن الحرية الواسعة في المنتديات الإلكترونية جمعت الغث والسمين، الصحيح والفاسد، وأصبحت مرتعاً لذوي النفوس الضعيفة الذين يعانون من ازدواجية سببها ما يتعرضون له من انفعالات يومية يتم إفراغها على صفحات المنتديات للمساس بوحدة الوطن والدعوة إلى الانفصال عن الجسد الواحد، هذا ناهيك عن كيل الشتائم والتهم والتهجم لتصفية خلافات شخصية واهية، وتدريجياً تحولت الحرية إلى ما يشبه الغوغاء والفوضى بما يمس الآخرين بالإساءة والتعدي عليهم وإزعاجهم على اعتبار أن لا قانون سينال منهم مما شجعهم على التمادي في ارتكاب المزيد من التجاوزات في ظل إدارة متراخية تسمح لبقاء الغوغائيين دون عقوبة وتفتح لهم الأبواب باسم الحرية المزعومة ليتجاوزوا حدود المعقول وجميع الخطوط الحمراء الأخلاقية دون إقامة وزن للأخلاق والضمير والكلمة الصادقة . وعندما تضيع الحقوق وتصل الحرية إلى الجرأة «البايخة» وفرد العضلات وقتها يصبح الحل الوحيد هو هروب وانسحاب كافة الأقلام الجادة من المنتديات حفاظاً على مكانتها وعدم الدخول في مهاترات جانبية وجدال لا فائدة منه داخل منتديات غير مسؤولة لا تحكمها ضوابط محددة ،وما أصعبها حين يضبطها الضمير، فلابد من تفعيل القانون لملاحقة جميع الغوغائيين والمتسيبين وحظر المنتديات التي يكون ضررها أكثر من نفعها. [email protected]