عندما اتجهت بلادنا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية برزت الحاجة لتوفير رؤوس الأموال وذلك عن طريق جذب وتشجيع الاستثمارات، حيث لا تنمية بلا استثمار ولا ازدهار واستمرار للاستثمار بدون وجود مناخ جاذب ومتميز. وتمثل قضية الاستثمار أهمية بالغة في وقتنا الحاضر، حيث تتسابق دول العالم لجذب اكبر قدر من الاستثمارات في عالم تحكمه تكتلات اقتصادية كبرى ، بحيث يصعب على أي دولة المنافسة والصمود في مضمار هذا السباق والحصول على حصة من هذه الاستثمارات إذا شابت تشريعاتها شوائب طاردة لرؤوس الأموال أو إذا كانت غير مشجعة ومحفزة للمستثمرين. وكانت أهم وسيلة لاجتذاب رؤوس الأموال تتمثل في إصدار تشريعات وطنية تشجع المستثمرين وتمنحهم العديد من المزايا للمساهمة برؤوس أموالهم في مشروعات اقتصادية وتنموية، وتتضمن ضمانات تحقق لهم القدر اللازم من الآمان والاستقرار وتطمئنهم بعدم وجود أية مخاطر على استثماراتهم، كما تمنح المستثمرين حوافز وامتيازات خاصة مثل الإعفاءات الضريبية والجمركية وتخصيص الأراضي. وتتمثل وسائل اجتذاب رؤوس الأموال في أي من مجالات الاستثمار - كما أوردته بعض الدراسات المتعلقة بالاستثمار- في العناصر التالية: أولاً: توفير حرية التنقل لرأس المال دخولاً وخروجاً مع الالتزام بتوفير الحماية القانونية للحقوق والممتلكات. ثانياً: الاستقرار والآمان وحماية رأس المال من المخاطر غير التجارية والمتمثلة في المخاطر السياسية مثل التأميم أو المصادرة. ثالثاً: تهيئة المناخ الجاذب، وذلك من خلال منح المزيد من الإعفاءات والتسهيلات والتوسع في مجال الأعمال والمشاريع التي يسمح بالاستثمار فيها. تعد هذه العناصر بمثابة مقاصد أساسية لابد أن تتجسد في قوانين الاستثمار، وتتنافس القوانين فيما بينها لتحقيق مضمون هذه العناصر في نصوصها ومنح المستثمرين أكبر قدر من المزايا والتسهيلات والابتعاد عن فرض أية قيود أو معوقات تتنافى مع حرية التجارة، وإعطاء المستثمر حق اختيار وسيلة تسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات إما بواسطة الاتفاقيات الدولية المنظمة للاستثمارات أو التحكيم أو القضاء. ومن جهة أخرى فإن وجود التشريعات المثالية لا يكفي وحده لجذب رؤوس الأموال وتشجيع قيام وتنامي المشروعات الاستثمارية، وذلك بسبب احتمال تعرض تلك التشريعات للتغيير أو الإلغاء أو التجاوز، وبالتالي لابد من السعي لتوفير مناخ مناسب وبيئة ملائمة للاستثمارات، ولا يتحقق ذلك إلا بالمشاركة الفعالة في صنع القرار السياسي والاقتصادي وكذلك المشاركة في الرقابة على تنفيذ السياسة العامة والخطط التنموية وبرامج الإصلاح الاقتصادي والمالي. فكل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الاستقرار والأمن و الآمان ومن ثم يؤدي إلى مزيد من الاستثمارات. ومن المهم أن لا تغفل الدولة وهي في غمرة سعيها لجذب الاستثمارات عن خططها التنموية وأن تعمل على التوفيق بين السعي إلى اجتذاب رؤوس الأموال والاستثمارات والحرص على الصورة العامة لخططها التنموية السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي وضعتها لنفسها، بحيث لا تنحرف بها الاستثمارات عن السير فيها بل تسعى لتوجيه هذه الاستثمارات لخدمة وتعزيز الخطط التنموية التي رسمتها لنفسها . وفي الختام نخلص إلى أن قوانين الاستثمار تجسد التقاء إرادتين، إرادة الدولة ورغبتها في جذب رؤوس الأموال وتحقيق التنمية، و إرادة المستثمر في استثمار أمواله في مناخ مشجع وبيئة آمنة مع قدر جيد من المزايا والتسهيلات.